الحديث فمعناه وحي من الله عز وجل، ولكن لفظه وتركيبه من عنده عليه الصلاة والسلام، فكان يحاذر أن يختلط كلام الله عز وجل الذي يتلقاه من جبريل بكلامه هو.
٢ - كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل عن بعض الأمور فلا يجيب عليها، وربما مر على سكوته زمن طويل، حتى إذا نزلت آية من القرآن في شأن ذلك السؤال، طلب السائل وتلا عليه ما نزل من القرآن في شأن سؤاله. وربما تصرف الرسول في بعض الأمور على وجه معين، فتنزل آيات من القرآن تصرف عن ذلك الوجه، وربما انطوت على عتب أو لوم له.
٣ - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمياً، وليس من الممكن أن يعلم إنسان بواسطة المكاشفة النفسية حقائق تاريخية، كقصة يوسف، وأم موسى حينما ألقت وليدها في اليم، وقصة فرعون، ولقد كان هذا من جملة الحِكَم في كونه صلى الله عليه وسلم أمياً:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}(١).
٤ - إن صدق النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة مع قومه واشتهاره فيهم بذلك، يستدعي أن يكون صلى الله عليه وسلم من قبل ذلك صادقاً مع نفسه بما لا يمكن أن يشك في صدقه فيما بعد ذلك، أهـ.
وقال الدكتور مصطفى السباعي:
إن الله إذا أراد لعبد أن يوجهه لدعوة الخير والإصلاح ألقى في قلبه كره ما عليه مجتمعه من ضلال وفساد. إن محمداً عليه الصلاة والسلام لم يكن يستشرف للنبوة، ولا يحلم بها. وإنما كان يلهمه الله الخلوة للعبادة تطهيراً، وإعداداً روحياً لتحمُّل أعباء الرسالة. ولو كان عليه الصلاة والسلام يستشرف للنبوة، لما فزع من نزول الوحي عليه، ولما نزل إلى خديجة يستفسرها عن سر تلك الظاهرة التي رآها في غار حراء. ولم يتأكد من أنه رسول إلا بعد رؤية جبريل يقول له: يا محمد أنت رسول الله. وأنا جبريل، وإلا بعد أن أكد له ولخديجة وورقة بن نوفل أن ما رآه في الغار هو الوحي الذي كان ينزل على موسى عليه الصلاة والسلام.