مدخلي يا رسول الله؟ قال:"النار" فقام عبد الله بن حذافة، فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال:"أبوك حذافة" قال: ثم أكثر أن يقول: "سلوني سلوني" فبرك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا. قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أولى، والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي، فلم أر كاليوم في الخير والشر".
ذكر الذهبي في السير (١) عن أبي رافع، قال: وجه عمر جيشًا إلى الروم، فأسروا عبد الله بن حذافة، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد. فقال: هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي؟ قال: لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما تملك، وجميع ملك العرب، ما رجعت عن دين محمد طرفة عين. قال: إذًا أقتلك. قال: أنت وذاك. فأمر به، وقال للرماة: ارموه قريبًا من بدنه، وهو يعرض عليه ويأبى، فأنزله. ودعا بقدر، فصب فيها ماء حتى احترقت، ودعا بأسيرين من المسلمين، فأمر بأحدهما، فألقي فيها، وهو يعرض عليه النصرانية، وهو يأبى. ثم بكى. فقيل للملك: إنه بكى. فظن أنه قد جزع، فقال: ردوه. ما أبكاك؟ قال: قلت: هي نفس واحدة تلقى الساعة فتذهب، فكنت أشتهي أني يكون بعدد شعري أنفس تلقى في النار في الله.
فقال له الطاغية: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟
فقال له عبد الله: وعن جميع الأسارى؟ قال: نعم. فقبل رأسه.
وقدم بالأسارى على عمر، فأخبره خبره. فقال عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة، وأنا أبدأ. فقبل رأسه.
أقول: في هذا النص تعليم للمتشددين الذين تختلط عندهم قوة النفس بقوة الإيمان فتمنعهم قوة النفس بما تقتضيه قوة الإيمان من الأخذ بالعزائم في محلها والرخص في محلها،
(١) السير: (٢/ ١٤) وأخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق البيهقي وله شاهد من حديث لابن عباس موصولا عند ابن عساكر.