للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

علي، فقرأ عليه صدرًا من {كهيعص}. فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته (١)، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا ولا أكاد.

فلما خرجا قال عمرو: والله لأنبئه غدًا عيبهم ثم أستأصل خضراءهم (٢) فقال له عبد الله ابن أبي ربيعة، وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحامًا وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد. ثم غدا عليه، فقال: أيها الملك! إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيمًا، فأرسل إليهم، فسلهم عما يقولون فيه. فأرسل يسألهم.

قالت. ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم، ثم قالوا: نقول والله فيه ما قال الله تعالى كائنًا ما كان. فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى؟ فقال له جعفر: نقول فيه الذي جاء به نبينا. هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عودًا، ثم قال: ما عدا عيسى ما قلت هذا العود. فتناخرت (٣) بطارقته حوله فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي -والسيوم الآمنون- من سبكم غرم ثم من سبكم غرم، ما أحب أن لي دبري ذهبًا وأني آذيت رجلاً منكم والدبر بلسانهم الجبل، ردوا عليهما هداياهما، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس في، فأطيعهم فيه. فخرجا مقبوحين، مردودًا عليما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار. فوالله إنا على ذلك، إذ نزل به، يعني من ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حربًا قط كان أشد من حربٍ حربناه (٤)، تخوفًا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه، وسار النجاشي وبينهما عرض النيل. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ فقال الزبير: أنا، وكان من أحدث القوم سنًا. فنفخوا


(١) أخضل لحيته: بلها بالدموع.
(٢) استأصل خصراءهم: أي أبيدهم.
(٣) تناخرت: تكلمت كلام غضب ونفور.
(٤) وفي المسند: (حزنًا قط أشد من حزن حزناه).

<<  <  ج: ص:  >  >>