ولما نالت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم ما وصفناه من الأذى، خرج إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف ويرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عند الله عز وجل.
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادته، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم من أجله فردوا عليه رداً منكراً، وفاجأوه بما لم يكن يتوقع من الغلظة وسمج القول، فقام رسول الله من عندهم وهو يرجوهم أن يكتموا خبر مقدمه إليهم عن قريش إذاً، فلم يجيبوه إلى ذلك أيضاً. ثم أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أن رجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم لتدميان، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج في رأسه عدة شجاج، حتى وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بستان لعتبة بن ربيعة، فرجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه. فعمد عليه الصلاة والسلام، وقد أنهكه التعب والجراح إلى ظل شجرة عنب فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إليه، فلما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الظل رفع رأسه يدعو بهذا الدعاء:"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين أنت رب المستعضفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العُتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك". ولا سند لهذا الدعاء، فلم ندخله في المتن.
ثم إن ابني ربيعة - صاحبي البستان - تحركت الشفقة في قلبيهما، فدعوا غلاماً نصرانياً لهما يقال له (عداس) فأرسلا إليه قطفاً من العنب في طبق. فلما وضع عداس العنب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: كل. مد الرسول يده قائلاً:"بسم الله". ثم أكل. فقال عداس متعجباً: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:"ومن أي البلاد أنت؟ وما دينك؟ " قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نينوي (قرية بالموصل). فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"من قرية الرجل الصالح يونُس بن متي؟ " فقال عداس: وما يدريك ما يونس بن متي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذلك أخي، كان نبياً وأنا نبي" فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه. وسند هذه القصة مرسل، فلم ندخلها في المتن.