منك" وكان هذا في زمن الطفولة فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ثم وقع شق الصدر عند البعث زيادة في إكرامه؛ ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير، ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء؛ ليتأهب للمناجاة، ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل؛ لتقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرة الثالثة كما تقرر في شرعه صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن تكون الحكمة في انفراج سقف بيته الإشارة إلى ما سيقع من شق صدره وأنه سيلتئم بغير معالجة يتضرر بها، وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك، قال القرطبي في (المفهم): لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء لأن رواته ثقات مشاهير.
ثم قال: وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: أن للسماء أبواباً حقيقة وحفظة موكلين بها، وفيه إثبات الاستئذان، وأنه ينبغي لمن يستأذن أن يقول: أنا فلان، ولا يقتصر على (أنا) لأنه ينافي مطلوب الاستفهام، وأن المار يسلم على القاعد وإن كان المار أفضل من القاعد، وفيه استحباب تلقي أهل الفضل بالبشر والترحيب والثناء والدعاء، وجواز مدح الإنسان المأمون عليه الافتتان في وجهه، وفيه جواز الاستناد إلى القبلة بالظهر وغيره مأخوذ من استناد إبراهيم إلى البيت المعمور وهو كالكعبة في أنه قبلة من كل جهة، وفيه جواز نسخ الحكم قبل وقوع الفعل، وقد سبق البحث فيه في أول الصلاة، وفيه فضل السير بالليل على السر بالنهار لما وقع من الإسراء بالليل، ولذلك كانت أكثر عبادته صلى الله عليه وسلم بالليل، وكان أكثر سفره صلى الله عليه وسلم بالليل، وقال صلى الله عليه وسلم "عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى باللي" وفيه أن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة، يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم أنه عالج الناس قبله وجربهم، ويستفاد منه تحكيم العادة، والتنبيه بالأعلى على الأدنى لأن من سلف من الأمم كانوا أقوى أبداناً من هذه الأمة، وقد قال موسى في كلامه إنه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه، أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة قال: ويستفاد منه أن مقام الخلة مقام الرضا والتسليم، ومقام التكليم مقام الإدلال والانبساط، ومن ثم استبد موسى بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بطلب التخفيف دون إبراهيم عليه