للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والسلالية التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفد وفْدُ من اليمن، بقوله: "أتاكم أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوباً" وهما ترجعان أصلهما إلى اليمن، نزح أجدادهم منها في الزمن القديم، يقول القرآن مادحاً لهم:

{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (١).

ومنها أنهما قد أنهكتهما الحروب الداخلية، وما يوم بعاث ببعيد، وقد اكتووا بنارها، وذاقوا مرارتها، وعافوها، ونشأت فيهم رغبة في اجتماع الكلمة، وانتظام الشمل، والتفادي من الحروب، وذلك ما عبروا عنه بقولهم: (إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك، فإن يجمعهم الله بك، فلا رجل أعز منك)، قالت عائشة رضي الله عنها: كان يوم بعاث يوماً قدمه الله تعالى لرسوله.

ومنها أن قريشاً، وسائر العرب قد طال عهدهم بالنبوات والأنبياء، وأصبحوا يجهلون معانيها بطول العهد، وبحكم الأمية والإمعان في الوثنية، والبعد عن الأمم التي تنتسب إلى الأنبياء وتحمل الكتب السماوية - على ما دخل فيه من التحريف والعبث - وذلك ما يشير إليه القرآن بقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} (٢).

أما الأوس والخزرج فكانوا يسمعون اليهود يتحدثون عن النبوءة والأنبياء ويتلون صحف التوراة ويفرونها، بل كانوا يتوعدونهم به، ويقولون إنه سيبعث نبي في آخر الزمان، نقتلكم معه قتل عاد وإرم، وفي ذلك يقول الله تعالى:

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (٣).

وبذلك لم تكن بين أبناء الأوس والخزرج وسكان المدينة من العرب المشركين تلك


(١) الحشر: ٩.
(٢) يس: ٦.
(٣) البقرة: ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>