للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكانت عواطف الإيثار والمواساة والمؤانسة تمتزج في هذه الأخوة، وتملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال.

والإخاء الحق لا ينبت في البيئات الخسيسة، فحيث يشيع الجهل والنقص والجبن والبخل والجشع، لا يمكن انْ يصح إخاء، أو تترعرع محبة، ولولا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جُبلوا على شمائل نقية، واجتمعوا على مبادئ رضية، ما سجلت لهم الدنيا هذا التآخي الوثيق في ذات الله.

فسُمُوُّ الغاية التي التقوا عليها وجلال الأسوة التي قادتهم إليها، نميا فيهم خِلال الفضل والشرف، ولم يدعا مكاناً لنجوم خِلَّة رديئة.

ذلك، ثم إن محمداً عليه الصلاة والسلام كان إنساناً، تجمع فيه ماتفرق في عالم الإنسان كله من أمجاد ومواهب وخيرات، فكان صورة لأعلى قمة من الكمال يمكن أن يبلغها بشر، فلا غرو إذا كان الذين قبسُوا منه، وداروا في فلكه، رجالاً يحيون بالنجدة والوفاء والسخاء.

إن الحب كالنبع الدافق يسيل وحده، ولا يُتكلف استخراجه بالآلات والأثقال، والأخوة لا تُفرض بقوانين ومراسيم، وإنما هي أثر تخلص الناس من نوازع الأثرة والشُّح والضعة.

وقد تُبودلت الأخوة بين المسلمين الأولين، لأنهم ارتقوا - بالإسلام - في نواحي حياتهم كلها، فكانوا عباد الله إخوانا، ولو كانوا عبيد أنفسهم ما أبقى بعضهم على بعض.

وقد ظلت عقود الإخاء مقدمة على حقوق القرابة في توارث التركات إلى موقعة (بدر) حتى نزل قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (١) فألغى التوارث بعقد الأخوة، ورجع إلى ذوي الرحم.

* * *


(١) الأنفال: ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>