من الهجرة، بعث ناساً من المسلمين إلى رابغ ليلقوا عيراً لقريش فتراموا بالسهام ولم يكن بينهم سابقة، فكان سهمه أول ما رمى.
ذكر ذلك الزبير بن بكار بسند له وآخرون.
أقول: هذا وهناك خلاف بين كتاب السير حول هذه السرايا الثلاث، هل كانت في السنة الأولى أو الثانية، وأيها كانت أولاً، وقد رجح ابن كثير أنها كانت في السنة الأولى، وقد نص كتاب السير على أن سرية حمزة وسرية عبيدة بن الحارث لم يكن فيهما أنصاري واحد، وذلك من حكمته عليه الصلاة والسلام. فمن خلال تحرك الرعيل الأول للجهاد تبدأ دائرة الحركة الجهادية تتوسع وتبدأ الروح الجهادية تعم، ثم إن المهاجرين كانوا معبئين نفسياً للصراع مع قريش، كما أنهم بحاجة إلى أن يتحرروا من مظاهر الضعف وأسر الاضطهاد، وهذه قضايا يجب أن يفطن لها القادة، فنقل الأمة من طور السلم إلى طور الحرب، ونقل الجماعات من طور الاضطهاد إلى دور الجهاد ينبغي أن تصحبه تمهيدات تعين عليه، وبمثل هذا تظهر حكمة القيادات، وكل قيادة لا تراعي الجوانب النفسية تخفق.
ويلاحظ أنه بمجرد إذن الله بالقتال بدأت الحركة العسكرية، فلم ينظر الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يفرض القتال، وهذا شيء ينبغي أن تراعيه القيادات الإسلامية، فمتى أصبح الجهاد ممكناً فليكن سير فيه، ولكن هذا الموضوع يحتاج إلى موازنات كثيرة محلية وعالمية فما يصلح لمكان لا يصلح لمكان، وما يصلح في زمان لا يصلح في زمان آخر، وتقدير الموقف واتخاذ القرار المناسب هما علامتا جدية القيادات وكفاءتها.
ومن موقف أبي جهل ورد المطعم بن عدي عليه نعرف حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم السياسية، فأن تجعل من خصومك من يدافع عنك، وأن تلقي الرعب في قلب عدوك، تلك قمة من قمم النجاح السياسي والعسكري، وهكذا كانت البدايات ناجحة.