للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأخرجه أبو داود (١) مختصراً أن رجلاً من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ليُقاتلَ معهُ، فقال: "ارجعْ"، ثم اتفقا فقال: "إنا لا نستعينُ بمشركٍ".

قال النووي: قوله عليه الصلاة والسلام: (فارجع فلن أستعين بمشرك) وقد جاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه، فأخذ طائفة من العلماء بالحديث الأول على إطلاقه، وقال الشافعي وآخرون: إن كان الكافر حسن الرأي في المسلمين ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعين به وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين، وإذا حضر الكافر بالإذن رضخ له أي أعطاه قليلاً ولا يسهم له، هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والجمهور، وقال الزهري والأوزاعي يسهم له والله أعلم.

٢٨٦ - * روى مسلم عن أبي الطفيل رحمه الله قال: حدثنا حذيفة بن اليمان قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجتُ أنا وأبي، حُسيلٌ، فأخذنا كفارُ قريشٍ، فقالوا: إنكم تريدون محمداً، فقلنا: ما نريده، وما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه: لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر، فقال: "انصرفا نفي لهم بعهدهم، ونستعينُ الله عليهم".

قال النووي: في هذا الحديث جواز الكذب في الحرب، وإذا أمكن التعريض في الحرب فهو أولى، ومع هذا يجوز الكذب في الحرب وفي الإصلاح بين الناس وكذب الزوج لامرأته كما صرح به الحديث الصحيح وفيه الوفاء بالعهد، وقد اختلف العلماء في الأسير يعاهد الكفار أن لا يهرب منهم، فقال الشافعي وأبو حنيفة والكوفيون: لا يلزمه ذلك بل متى أمكنه الهرب هرب، وقال مالك: يلزمه، واتفقوا على أنه لو أكرهوه فحلف لا يهرب لا يمين عليه لأنه مكره، وأما قضية حذيفة وأبيه فإن الكفار استحلفوهما لا يقاتلان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة بدر فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء. وهذا ليس للإيجاب فإنه لا يجب الوفاء بترك الجهاد مع الإمام ونائبه ولكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يشيع عن أصحابه نقض العهد وإن كان


(١) أبو داود مختصراً (٣/ ٧٥) كتاب الجهاد - باب: في المشرك يسهم له.
٢٨٦ - مسلم (٣/ ١٤١٤) ٣٢ - كتاب الهجاد والسير - ٣٥ - باب: الوفاء بالعهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>