كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل السيرة، وروى الطبراني من طريق محمد بن صالح التمار عن الزهري عن محمد بن جبير عن أبيه قال:(قال المطعم بن عدي لقريش: إنكم قد فعلتم بمحمد ما فعلتم، فكونوا أكف الناس عنه) وذلك بعد الهجرة ثم مات المطعم بن عدي قبل وقعة بدر وله بضع وتسعون سنة وذكر الفاكهي بإسناد مرسل أن حسان بن ثابت رثاه لما مات مجازاة له على ما صنع للنبي صلى الله عليه وسلم. وروى الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح عن علي قال:(جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال: خير أصحابك في الأسرى، إن شاءوا القتل وإن شاءوا الفداء على أن يقتل منهم عاماً مقبلاً مثلهم، قالوا: الفداء ويقتل منا). وأخرج مسلم هذه القصة مطولة من حديث عمر ذكر فيها السبب، هو أنه صلى الله عليه وسلم قال:"ما ترون في هؤلاء الأسرى؟ " فقال أبو بكر: أرى أن نأخذ منهم قوة تكون لنا، وعسى الله أن يهديهم. فقال عمر: أرى أن تمكنا منهم فتضرب أعناقهم، فإن هؤلاء أئمة الكفر، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر) الحديث، وفيه نزول قوله تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}.
وقد اختلف السلف في أي الرأيين كان أصوب؟ فقال بعضهم: كان رأي أبي بكر لأنه وافق ما قدر الله في نفس الأمر ولما استقر الأمر عليه، ولدخول كثير منهم في الإسلام إما بنفسه إما بذريته التي ولدت له بعد الوقعة، ولأنه وافق غلبة الرحمة على الغضب كما ثبت ذلك عن الله في حق من كتب له الرحمة، وأما العتاب على الأخذ ففيه إشارة إلى ذم من آثر شيئاً من الدنيا على الآخرة ولو قل، والله أعلم.
٣٤٦ - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر - وجيء بالأسارى - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟ " فذكر في الحديث قصة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء، أو ضرب عنق" قال عبد الله بن مسعود فقلت: يا رسول الله، إلا سهيل بن بيضاء فإني قد سمعته
٣٤٦ - الترمذي (٥/ ٣٧١)، ٤٨ - كتاب تفسير القرآن - ٨ - باب: "ومن سورة الأنفال"، وقال: هذا حديث حسن، وقد حسنه مع انقطاعه لكثرة شواهده.