قال مالك - رحمه الله تعالى -: قل من كتبت عنه العلم، ما مات حتى يجيئني ويستفتيني.
وقال بكر بن عبد الله الصُنعاني: أتينا مالك بن أنس فجعل يحدثنا عن ربيعة بن عبد الرحمن وكنا نستزيده من حديثه. فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة، وهو نائم في ذلك الطاق؟ فأتينا ربيعة فأنبهناه، وقلنا له: أنت ربيعة؟ قال: نعم. قلنا: الذي يتحدث عنك مالك بن أنس؟ قال: نعم، قلنا: كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟! قال: أما علمتم أن مثقالاً من دولةٍ خيرٌ من حِمل علم؟! (١).
وكان مالك مبالغاً في تعظيم العلم والدين، حتى كان إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه، وسرح لحيته واستعمل الطيب وتمكن من الجلوس على وقار وهيبة، ثم حدث، فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومر يوماً على أبي حازم وهو جالس فجازه، فقيل له، فقال: إني لم أجد موضعاً أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم.
قال يحيى بن سعيد القطان: ما في القوم أصح حديثاً من مالك.
وقال الشافعي - رحمه الله - إذا ذكر العلماء فمالك النجم، وما أحد أمنَّ علي من مالك - رحمة الله عليه -.
وروي أن المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره، ثم دسَّ عليه من يسأله، فروى على ملأ من الناس:(ليس على مستكره طلاق) فضربه بالسياط، ولم يترك رواية الحديث.
وروي أن الرشد سأل مالكاً فقال: هل لك دار؟ فقال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال: اشتر بها داراً، فأخذها ولم ينفقها فلما أراد الرشيد الشخوص. قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن أحمل الناس على الموطأ، كما حمل عثمان الناس على
(١) يعني: أن مالك بن أنس محظوظ، جعل الله له شهرة وسمعة وإقبالاً، بخلاف حالي.