كنت أصغر من ذلك، ولكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة فجعلها في يدي ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها حتى قتله.
قال في الفتح: قوله: (فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلاً نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر) في رواية أبي معشر في مغازيه فنزلوا بالرجيع سحراً فأكلوا تمر عجوة فسقطت نواة بالأرض، وكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار، فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنماً فرأت النواة فأنكرت صغرها وقالت: هذا تمر يثرب، فصاحت في قومها: أتيتم، فجاءوا في طلبهم فوجدوهم قد كمنوا في الجبل.
أقول: رواية أبي معشر تدل على أنهم كانوا يحتاطون ألا يتركوا أثراً بما في ذلك نوى تمرهم الذي يأكلونه، وهذا يفيد أنهم كانوا في أعلى درجات الحس الأمني، وعلى كل الأحوال فإن أدب المسلم أن يرهف حسه الأمني دائماً حتى تكون تصرفاته على غاية من الحكمة فلا يكون إهماله سبباً في تدمير نفسه أو تدمير جماعة من المسلمين فضلاً عن أن يكون إهماله سبباً في تدمير جماعة المسلمين. وفي قوله في الرواية (وما كان إلا رزق رزقه الله) عن قطف العنب.
قال في الفتح: والمشهور عن أهل السنة إثبات الكرامات مطلقاً، لكن استثنى بعض المحققين منهم كأبي القاسم القشيري ما وقع به التحدي لبعض الأنبياء فقال، ولا يصلون إلى مثل إيجاد ولد من غير أب ونحو ذلك، وهذا أعدل المذاهب في ذلك، فإن إجابة الدعوة في الحال وتكثير الطعام والماء والمكاشفة بما يغيب عن العين والأخبار بما سيأتي ونحو ذلك قد كثر جداً حتى صار وقوع ذلك ممن ينسب إلى الصلاح كالعادة، فانحصر الخارق الآن فيما قاله القشيري، وتعين تقييد قول من أطلق أن كل معجزة وجدت لنبي يجوز أن تقع كرامة لولي، ووراء ذلك كله أن الذي استقر عند العامة أن خرق العادة يدل على أن من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى، وهو غلط ممن يقول، فإن الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب، فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارق، وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له ذلك فإن كان متمسكاً بالأوامر الشرعية والنواهي كان ذلك علامة ولايته ومن لا فلا وبالله التوفيق.