قال ابن القيم: ولما طالت هذه الحال على المسلمين، أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصالح عيينة بن حصن، والحارث بن عوف رئيسي غطفان، على ثلث ثمار المدينة، وينصرفا بقومهما، وجرت المراوضة على ذلك، فاستشار السعدين في ذلك، فقالا: يا رسول الله! إن كان الله أمرك بهذا، فسمعاً وطاعة، وإن كان شيئاً تصنعه لنا، فلا حاجة لنا فيه. أهـ.
ثم إن الله عز وجل أنهى هذا الابتلاء العظيم بخدعة من نعيم بن مسعود وبإلقاء الرعب وتسليط الريح فانسحبت الأحزاب.
قال ابن القيم: وأرسل الله على المشركين جنداً من الريح، فجعلت تقوض خيامهم، ولا تدع لهم قدراً إلا كفأتها، ولا طنباً، إلا قلعته، ولا يقر لهم قرار، وجند الله من الملائكة يزلزلونهم. ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم، فوجدهم على هذه الحال، وقد تهيؤوا للرحيل. فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره برحيل القوم. فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رد الله عدوه بغيظه، لم ينالوا خيراً، وكفاه الله قتالهم، فصدق وعده، وأعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فدخل المدينة ووضع السلاح، فجاءه جبريل عليه السلام، وهو يغتسل في بيت أم سلمة، فقال: أوضعتم السلاح؟! إن الملائكة لم تضع بعد أسلحتها، انهض إلى غزوة هؤلاء، يعني بني قريظة، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من كان سامعاً مطيعاً، فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة"، فخرج المسلمون سراعاً، واستشهد يوم الخندق ويوم قريظة نحو عشرة من المسلمين.
وأما قريظة، فكانت أشد اليهود عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغلظهم كفراً ولذلك جرى عليهم ما لم يجر على إخوانهم.
وكان سبب غزوهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة الخندق والقوم معه صلح، جاء حيي بن أخطب إلى بني قريظة في ديارهم، فقال: قد جئتكم بعز الدهر، جئتكم بقريش على سادتها، وغطفان على قادتها، وأنتم أهل الشوكة والسلاح، فهلم حتى نناجز محمداً ونفرغ منه. فقال له رئيسهم: بل جئتني والله بذل الدهر، جئتني بسحاب قد أراق ماءه. فهو