علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وإن الحارث سألكم تشاطروه تمر المدينة فإن أردتم أن تدفعوه عامكم هذا ثم تنظروا في أمركم بعد".
فقالوا: يا رسول الله أوحي من السماء فالتسليم لأمر الله أو عن رأيك وهواك فرأينا تبع لهواك ورأيك وإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا تمرة إلا شراء أو قرى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو ذا تسمعون ما يقولون" قالوا: غدرت يا محمد. فقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
يا حار من يغدر بذمة جاره ... منكم فإن محمداً لا يغدر
وأمانة المري حين لقيتها ... كسر الزجاجة صدعها لا يجبر
إن تغدروا فالغدر من عاداتكم ... واللؤم ينبت في أصول السخبر
هذا الحديث يطرح ثلاثاً من أخطر القضايا التي تواجه الأمة الإسلامية دائماً:
القضية الأولى: قضية المصالحة على مال.
والقضية الثانية: قضية الشورى.
والقضية الثالثة: تفتيت الصف المعادي.
(١)
فلو أن كيان المسلمين في قطر أو في العالم تعرض لخطر الاستئصال، أو أن أمنهم أصبح في خطر فهل لهم في هذه الحالة أن يعطوا تنازلات مادية ولو بأن يدفعوا مالاً؟ الظاهر من الحديث أن ذلك جائز ولكنه ليس مفروضاً، وقد نص فقهاء الحنفية على هذه المسألة فأجازوا دفع المال للعدو إذا أصبح يهدد الوجود الإسلامي.
والمسألة في عصرنا قد تأخذ طابعاً أكثر تعقيداً فقد تصبح في خطر خفي أو تتعرض لخطر خفي وجهة ما هي القادرة على الإنقاذ، وهي لا تفعل إلا بشروط، فإذا كانت الشروط مادية بحتة فللمسلمين ذلك، ولهم ألا يفعلوا والفتوى من أهلها، والشورى والمصلحة هي التي تحكم هذه الأمور، وقد تشتبك المصالح وتتعارض مصالح الأمة