للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التكليف ليس الخارق وإنما هو عالم الأسباب، والرسل هم القدوة، والناس عامة محكومون بعالم الأسباب، ولذلك فأنت عندما تدرس المعجزات التي حدثت في هذه المرحلة لا تجدها تؤثر على قضايا الاقتداء المرتبطة بعالم الأسباب، بمعنى أن ما حدث في هاتين الغزوتين يمكن إدخاله في دائرة التفكير والتدبير والاستعانة بالله أولاً وأخيراً، وبعضه لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة خاصة، وبعضه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويمكن أن تطلبه من الله، وفضل الله واسع، مثال ذلك: تكثير الطعام القليل هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة ونحن علينا أن ندبر الطعام لجندنا وهذا جزء من القدوة، والريح كانت معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ندعو الله أن يؤيدنا بما لا نحتسب، وفضل الله واسع.

٢ - وحول الخندق قال السباعي رحمه الله:

وفي قبوله صلى الله عليه وسلم إشارة سلمان بحفر الخندق، وهو أمر لم تكن تعرفه العرب من قبل، دليل على أن الإسلام لا يضيق ذرعاً بالاستفادة مما عند الأمم الأخرى من تجارب تفيد الأمة وتنفع المجتمع، فلا شك أن حفر الخندق أفاد إفادة كبرى في دفع خطر الأحزاب عن المدينة، وقبول رسول الله هذه المشورة، دليل على مرونته صلى الله عليه وسلم. واستعداده لقبول ما يكون عند الأمم الأخرى من أمور حسنة، وقد فعل الرسول مثل ذلك أكثر من مرة، فلما أراد إنفاذ كتبه إلى الملوك والأمراء والرؤساء قيل له: إن من عادة الملوك ألا يقبلوا كتاباً إلا إذا كان مختوماً باسم مرسله، فأمر على الفور بنقش خاتم له كتب عليه: محمد رسول الله، وصار يختم به كتبه، ولما جاءته الوفود من أنحاء العرب فتح مكة تعلن إسلامها، قيل له: يا رسول الله إن من عادة الملوك والرؤساء أن يستقبلوا الوفود بثياب جميلة فخمة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشترى له حلة يستقبل بها الوفود، وهذا هو صنيع الرسول الذي أرسل بآخر الأديان وأبقاها إلى أبد الدهر، فإن مما تحتمه مصلحة أتباعه في كل زمان وفي كل بيئة أن يأخذوا بأحسن ما عند الأمم الأخرى، مما يفيدهم، ولا يتعارض مع أحكام شريعتهم وقواعدها العامة، والامتناع عن ذلك جمود لا تقبله طبيعة الإسلام الذي يقول في دستوره الخالد: (فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (١) ولا طبيعة


(١) الزمر: ١٧، ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>