للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رسوله الذي رأينا أمثلة عما أخذ من الأمم الأخرى، ولهذا قيل: (الحكمة ضالة المؤمن يلتمسها أنى وجدها) (١) ويوم غفل المسلمون في العصور الأخيرة، وخاصة بعد عصر النهضة الأوربية عن هذا المبدأ العظيم في الإسلام، وقاوموا كل إصلاح مأخوذ عن غيرهم مما هم في أشد الحاجة إليه، أصيبوا بالانهيار، وتأخروا من حيث تقدم غيرهم (ولله عاقبة الأمور) (٢). أهـ.

٣ - قال الشيخ الغزالي حفظه الله:

إن معركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر بل معركة أعصاب فقتلى الفريقين من المؤمنين والكفار يعدون على الأصابع. ومع تلك الحقيقة فهي من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام إذ إن مصير هذه الرسالة العظمى كان فيها أشبه بمصير رجل يمشي على حافة قمة سامقة، أو حبل ممدود، فلو اختل توازنه لحظة وفقد السيطرة على موقفه، لهوى من مرتفعه إلى واد سحيق، ممزق الأعضاء، ممزع الأشلاء! ولقد أمسى المسلمون وأصبحوا فإذا هم كالجزيرة المنقطعة وسط طوفان يتهددها بالغرق ليلاً أو نهاراً. وبين الحين والحين يتطلع المدافعون: هل اقتحمت خطوطهم في ناحية ما من منطقة الدفاع؟ وكان المشركون يدورون حول المدينة غضاباً يتحسسون نقطة ضعيفة لينحدروا منها فينفسوا عن حنقهم المكتوم، ويقطعوا أوصال هذا الدين الثائر.

وعرف المسلمون ما يتربص بهم وراء هذا الحصار، فقرروا أن يرابطوا في مكانهم ينضحون بالنبل كل مقترب، ويتحملون لأواء هذه الحراسة التي تنتظم السهل والجبل، وتتسع ثغورها يوماً بعد يوم وهم كما وصف الله تعالى: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي


(١) الترمذي نحوه (٥/ ٥١) ٤٢ - كتاب العلم - ١٩ - باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، بلفظ: "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها". قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم بن الفضل المدني المخزومي، يضعف في الحديث من قبل حفظه.
وابن ماجه مثل رواية الترمذي (٢/ ١٣٩٥) ٣٧ - كتاب الزهد - ١٥ - باب الحكمة.
(٢) الحج: ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>