وحينئذ يجوز للمسلمين قتالهم إن رأوا المصلحة في ذلك.
ثانياً - (جواز التحكيم في أمور المسلمين ومهامهم)، قال النووي رحمه الله: فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين وفي مهامهم العظام والرجوع في ذلك إلى حكم مسلم عادل صالح للحكم، وقد أجمع العلماء عليه في شأن الخوارج، فإنهم أنكروا على علي التحكيم، وأقام الحجة عليهم.
وفيه جواز مصالحة أهل قرية أو حصن على حكم حاكم مسلم عدل صالح للحكم أمين على هذا الأمر، وعليه الحكم بما فيه مصلحة للمسلمين، وإذا حكم بشيء لزم حكمه، ولا يجوز للإمام ولا لهم الرجوع، ولهم الرجوع قبل الحكم.
ثالثاً - (مشروعية الاجتهاد في الفروع وضرورة وقوع الخلاف فيها)، وفي اختلاف الصحابة في فهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة (١) " على النحو الذي روينا، مع عدم تعنيف النبي صلى الله عليه وسلم أحداً نهم أو معاتبته - دلالة هامة على أصل من الأصول الشرعية الكبرى، وهو تقرير مبدأ الخلاف في مسائل الفروع، واعتبار كل من المتخالفين معذوراً ومثاباً، سواء قلنا إن المصيب واحد أو متعدد كما أن فيه تقريراً لمبدأ الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية. وفيه ما يدل على أن استئصال الخلاف في مسائل الفروع التي تنبع من دلالات ظنية، أمر لا يمكن أن يتصور أو يتم، فالله سبحانه وتعالى تعبد عباده بنوعين من التكاليف:
أحدهما: تطبيق أوامر معينة واضحة تتعلق بالعقيدة أو السلوك.
ثانيهما: البحث وبذل الجهد ابتغاء فهم المبادئ والأحكام الفرعية من أدلتها العامة المختلفة، فليس المطلوب ممن أدركته الصلاة في بادية التبست عليه جهة القبلة فيها، أكثر من أن تتجلى عبوديته لله تعالى في أن يبذل كل ما لديه من وسع لمعرفة جهة القبلة حسب فهمه وما يبدو له من أدلة، حتى إذا سكنت نفسه إلى جهة ما، استقبلها فصلى إليها.