ثم إن هنالك حكماً باهرة لمجيء كثير من الأدلة والنصوص الشرعية ظنية الدلالة غير قطعية. من أبرزها، أن تكون الاجتهادات المختلفة في مسألة ما، كلها وثيقة الصلة بالأدلة المعتبرة شرعاً، حتى يكون للمسلمين متسع في الأخذ بأيها شاءوا حسبما تقتضيه ظروفهم ومصالحهم المعتبرة وتلك من أجلى مظاهر رحمة الله بعباده، في كل عصر وزمن.
وإذا تأملت هذا، علمت أن السعي في محاولة القضاء على الخلاف في مسائل الفروع، معاندة للحكمة الربانية والتدبير الإلهي في تشريعه، عدا أنه ضرب من العبث الباطل. إذ كيف تضمن انتزاع الخلاف في مسألة ما ما دام دليلها ظنياً محتملاً؟ لو أمكن ذلك أن يتم في عصر ما، لكان أولى العصور به عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكان أولى الناس بأن لا يختلفوا هم أصحابه، فما بالهم اختلفوا مع ذلك كما قد رأيت؟! أهـ.