للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فوالله! ما علمت على أهلي إلا خيراً. ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً. وما كان يدخل على أهلي إلا معي" فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه. يا رسول الله! إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان رجلاً صالحاً. ولكن اجتهلته الحمية. فقال لسعد بن معاذ: كذبت. لعمر الله! لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت. لعمر الله! لنقتلنه. فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيان الأوس والخنزرج. حتى هموا أن يقتتلوا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها. فجلست تبكي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسلم ثم جلس: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. وقد لبث شهراً لا (١)


= استفعل من ذلك، أي قال: من يعذرني؟ فقال له سعد بن معاذ: أنا أعذرك، أي أقوم بعذرك.
وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً: أي كامل الإصلاح.
قال الحافظ في الفتح حول قول أسيد لسعد بن عبادة فإنك منافق تجادل عن المنافقين:
أطلق أسيد ذلك مبالغة في زجره عن القول الذي قاله. وأراد بقوله: (فإنك منافق) أي: تصنع صنيع المنافقين. وفسره بقوله (تجادل عن المنافقين) وقابل قول سعد بن معاذ (كذبت لا تقتله) بقوله هو (كذبت لنقتلنه) وقال المازري: إطلاق أسيد لم يرد به نفاق الكفر. وإنما أراد: أنه كان يظهر المودة لقومه الأوس. ثم ظهر منه في هذه القصة ضد ذلك. فأشبه حال المنافق، لأن حقيقة النفاق: إظهار شيء وإخفاء غيره. ولعل هذا هو السبب في ترك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم.
اجتهلته الحمية: الاجتهال: افتعال من الجهل، أي: حملته الحمية، وهي الأنفة والغضب على الجهل، واحتملته: افتعلته من الحمل.
يخفضهم: يهون عليهم ويسكنهم.
فأصبح عندي أبواي: قال الحافظ في "الفتح": أي، أنهما جاءا إلى المكان الذي كنت به من بيتهما، لا أنها رجعت من عندهم إلى بيتها، ووقع في رواية محمد بن ثور عن معمر "وأنا في بيت أبوي".
فالق: فاعل، من فلق الشيء: إذا شقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>