فأدركت رجلاً، فقال: لا إله إلا الله. فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أقال: لا إله إلا الله. وقتلته؟ " قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفاً من السلاح، قال:"أفلا شققت عن قلبه، حتى تعلم أقالها، أم لا؟ " فما زال يكررها علي، حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ، قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلماً حتى يقتله ذو البطين - يعني: أسامة - قال: قال رجل: ألم يقل الله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله)(١).
فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة.
قال ابن الأثير:
قلت: هذا سعد المذكور في الحديث هو سعد بن أبي وقاص، وسبب هذا القول من سعد، أن أسامة لما سمع هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقاتل مسلماً، ولا شهد شيئاً من الفتن الحادثة بين الصحابة، وكذلك سعد اعتزل عن الفتن، فلم يشهد منها شيئاً، وقال: إنني لا أقتل إلا من يقتله أسامة، وليس لقوله هذا في الحديث مدخل، ولا له به تعلق.
* * *
قال في الفتح: وهذه السرية يقال لها سرية غالب بن عبد الله الليثي، وكانت في رمضان سنة سبع فيما ذكره ابن سعد عن شيخه، وكذا ذكره ابن إسحاق في المغازي (حثني شيخ من أسلم عن رجال من قومه قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي ثم الليثي إلى أرض بني مرة وبها مرداس بن نهيك حليف لهم من بني الحرقة فقتله أسامة) فهذا يبين السبب في قول أسامة (بعثنا إلى الحرقات من جهينة) والذي يظهر أن قصة الذي قتل ثم مات فدفن ولفظته الأرض غير قصة أسامة، لأن أسامة عاش بعد ذلك دهراً طويلاً، وترجم البخاري في المغازي (بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة) فجرى الداودي في شرحه على ظاهره فقال فيه (تأمير من لم يبلغ) وتعقب من وجهين: أحدهما أنه ليس فيه تصريح بأن أسامة كان الأمير إذ يحتمل أن يكون جعل