يعرفه، وقد اشتهر ذلك بينهم، وذكره سيف بن ذي يزن قديماً لعبد المطلب قبل أن يتزوج عبد الله آمنة وأراد النبي صلى الله عليه وسلم تنبيه أصحابه بأنه لابد من ظهوره وأن العاقبة له لتقوى قلوبهم إذا عرفوا أنه ثابت غير منهزم، وأما قوله "لا كذب" ففيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه قال: أنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم، وأنا متيقن بأن الذي وعدني الله به من النصر حق، فلا يجوز علي الفرار. وقيل: معنى قوله "لا كذب" أي أنا النبي حقاً لا كذب في ذلك.
وفي الحديث من الفوائد حسن الأدب في الخطاب، والإرشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب. وذم الإعجاب. وفيه جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب. ومثله الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها. وجواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله. ولا يقال كان النبي صلى الله عليه وسلم متيقناً للنصر لوعد الله تعالى له بذلك وهو حق، لأن أبا سفيان بن الحارث قد ثبت معه آخذاً بلجام بغلته وليس هو في اليقين مثل النبي صلى الله عليه وسلم. وقد استشهد في تلك الحالة أيمن بن أم أيمن. وفيه ركوب البغلة إشارة إلى مزيد الثبات، لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي، وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لأتباعه على الثبات. وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو أ. هـ.
قال النووي: ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم أنا النبي لا كذب أي أنا النبي حقاً فلا أفر ولا أزول وفي هذا دليل على جواز قول الإنسان في الحرب أنا فلان وأنا ابن فلان ومثله قول سلمة أنا ابن الأكوع وقول علي رضي الله عنه: أنا الذي سمتني أمي حيدرة، وأشباه ذلك. وقد صرح بجوازه علماء السلف، وفيه حديث صحيح قالوا: وإنما يكره قول ذلك على وجه الافتخار؛ كفعل الجاهلية. والله أعلم أ. هـ
٦٥٨ - * روى الحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: ندب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يوم حنين الأنصار فقال:"يا معشر الأنصار" فأجابوه لبيك أبينا أنت وأمنا
٦٥٨ - المستدرك (٣/ ٤٨)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي.