يَدَّخِرَ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ، وَإِنَّهُ قَدْ يَتَّفِقُ لَهُ مِرْفَقٌ، فَيُخْرِجُ مَا فِي يَدِهِ، فَيَنْقَطِعُ مِرْفَقُهُ، فَيُلَاقِي مِنْ الضَّرَرِ وَالذُّلِّ مَا يَكُونُ الْمَوْتُ دُونَهُ، فَلَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَى الْحَالِ الْحَاضِرَةِ، بَلْ يُصَوِّرُ كُلَّ مَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَنْظُرُونَ فِي الْعَوَاقِبِ، (وَقَدْ تَزَهَّدَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَأَخْرَجُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ احْتَاجُوا، فَدَخَلُوا فِي الْمَكْرُوهَاتِ) ، وَالْحَازِمُ مَنْ يَحْفَظُ مَا فِي يَدِهِ، وَالْإِمْسَاكُ فِي حَقِّ الْكَرِيمِ جِهَادٌ، كَمَا أَنَّ إخْرَاجَ مَا فِي يَدِ الْبَخِيلِ جِهَادٌ، وَالْحَاجَةُ تُخْرِجُ إلَى كُلِّ مِحْنَةٍ. (وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ الْمَالَ، يَعْبُدُ بِهِ رَبَّهُ وَيُؤَدِّي بِهِ أَمَانَتَهُ، وَيَصُونَ بِهِ نَفْسَهُ وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْخَلْقِ) . وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ، فَلْيَجْعَلْهُ فِي قَرْنِ ثَوْرٍ، فَإِنَّهُ زَمَانٌ، مَنْ احْتَاجَ فِيهِ كَانَ أَوَّلَ مَا يَبْذُلُ دِينَهُ. وَقَالَ بِشْرٌ الْحَافِي: لَوْ أَنَّ لِي دَجَاجَةً أَعُولُهَا خِفْتُ أَنْ أَكُونَ عَشَّارًا عَلَى الْجِسْرِ.
(وَمَنْ مَيَّزَ شَيْئًا لِلصَّدَقَةِ) بِهِ (أَوْ وَكَّلَ فِيهِ) ، أَيْ: بِالصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ، (ثُمَّ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ) عَنْ الصَّدَقَةِ، (سُنَّ) لَهُ (إمْضَاؤُهُ) مُخَالَفَةً لِلنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ، لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ. و (لَا) يُسَنُّ لَهُ (إبْدَالُ مَا أَعْطَى سَائِلًا فَسَخِطَهُ) ، فَإِنْ قَبَضَهُ وَسَخِطَهُ، لَمْ يُعْطَ غَيْرَهُ.
(وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ كَبِيرَةٌ) عَلَى نَصِّهِ، الْكَبِيرَةُ: مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، أَوْ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ. (وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِهِ) ، أَيْ: الْمَنِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: ٢٦٤] ، قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَلِأَصْحَابِنَا خِلَافٌ فِيهِ، وَفِي إبْطَالِ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا: الْإِحْبَاطَ بِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ. قَالَ بَعْضُهُمْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute