(مَسْجِدًا غَيْرَ) الْمَسَاجِدِ (الثَّلَاثَةِ) ، أَيْ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، (لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَيُخَيَّرُ) مَنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ (بَيْنَ اعْتِكَافٍ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَوْضِعًا، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالنَّذْرِ، وَلَوْ تَعَيَّنَ غَيْرُهَا بِالتَّعْيِينِ، لَزِمَ الْمُضِيُّ إلَيْهِ، وَاحْتَاجَ إلَى شَدِّ الرَّحْلِ، لِقَضَاءِ نَذْرِهِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرَّحَّالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ثُمَّ إنْ أَرَادَ النَّاذِرُ الِاعْتِكَافَ فِيمَا عَيَّنَهُ غَيْرَهَا، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا، فَهُوَ الْأَفْضَلُ، وَإِلَّا، بِأَنْ احْتَاجَ لِشَدِّ الرَّحْلِ، خُيِّرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ قُبَاءَ، فَإِنَّهُ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِيه كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَحُمِلَ النَّهْيُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ، وَحَكَاهُ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَيُكَفِّرُ) إنْ اعْتَكَفَ بِغَيْرِ مَا عَيَّنَهُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ فِي وَجْهٍ قَالَهُ فِي " الرِّعَايَتَيْنِ " وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُكَفِّرُ، صَحَّحَهُ فِي " الْإِنْصَافِ " وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي " الْمُقْنِعِ " وَالشَّارِحُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ " الْمُنْتَهَى " وَ " الْإِقْنَاعِ " وَأَمَّا إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا يُجْزِئُهُ فِي غَيْرِهَا، لِفِعْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا، فَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَلَهُ شَدُّ الرَّحْلِ إلَيْهَا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.
(وَأَفْضَلُهَا) ، أَيْ: الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: (الْحَرَامُ) ، وَهُوَ: مَسْجِدُ مَكَّةَ، (ف) الْمَسْجِدُ (النَّبَوِيِّ، ف) الْمَسْجِدُ (الْأَقْصَى) ، وَهُوَ: مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد. وَلِأَحْمَدَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute