النَّحْرِ (يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ (لِكَثْرَةِ أَفْعَالِ حَجٍّ بِهِ، مِنْ وُقُوفٍ بِمَشْعَرٍ حَرَامٍ، وَدَفْعٍ مِنْهُ لِمِنًى، وَرَمْيٍ وَنَحْرٍ، وَحَلْقٍ، وَطَوَافِ إفَاضَةٍ، وَرُجُوعٍ لِمِنًى) لِيَبِيتَ بِهَا، وَلَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِثْلُهُ، وَلِهَذَا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(ثُمَّ يُفِيضُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ مُفْرِدٌ وَقَارِنٌ لَمْ يَدْخُلَاهَا) أَيْ: مَكَّةَ (قَبْلَ) وُقُوفِهِمَا بِعَرَفَةَ (لِلْقُدُومِ) نَصًّا، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ «فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَقَ، ثُمَّ طَافَ طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» ، فَحَمَلَهُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُمْ لِحَجِّهِمْ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَلِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ، فَلَا يَسْقُطُ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ، كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ الْمَشْرُوعُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِلزِّيَارَةِ، كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهَا عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَصْحَابِهِ الَّذِينَ تَمَتَّعُوا مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدًا (وَ) مَا قَالَهُ الْمُوَفَّقُ، اخْتَارَهُ (الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَجَبٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَيَطُوفُ لِلْقُدُومِ (بِرَمَلٍ) وَاضْطِبَاعٍ، ثُمَّ لِلزِّيَارَةِ، (وَ) يَطُوفُ (مُتَمَتِّعٌ) لِلْقُدُومِ (بِلَا رَمَلٍ) وَلَا اضْطِبَاعٍ (ثُمَّ) يَطُوفُ (لِلزِّيَارَةِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ مِنًى، فَيَزُورُ الْبَيْتَ، وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ، بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِنًى (وَهِيَ) أَيْ: الزِّيَارَةُ، يُسَمَّى طَوَافُهَا طَوَافَ (الْإِفَاضَةِ) لِأَنَّهُ يُفْعَلُ بَعْدَهَا، وَلَمَّا كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ، وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِنًى، يُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ الزِّيَارَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute