مِنْ الْغَفْلَةِ عَمَّا أَسْلَفَهُ فِي بَابِ الْأَرَضِينَ الْمَغْنُومَةِ، حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ أَحْمَدُ يَمْسَحُ دَارِهِ، وَيَخْرُجُ عَنْهَا وَرَعًا؛ لِأَنَّ بَغْدَادَ حِينَ فُتِحَتْ كَانَتْ مَزَارِعَ؛ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ وَغَيْرِهِ هُنَاكَ؛ أَنَّ الْمَوْقُوفَ إنَّمَا هُوَ الْمَزَارِعُ فَقَطْ، وَلِذَلِكَ حُمِلَ فِعْلُ الْإِمَامِ عَلَى الْوَرَعِ، كَمَا حَمَلَهُ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ أَهْلَ بَغْدَادَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ عَنْ أَرْضِ الْمَسَاكِنِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَ الْأَمْرَ بِهِ؛ إذْ هُوَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَوْ أَمَرَ بِهِ لَنُقِلَ عَنْهُ، وَاشْتُهِرَ.
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ؛ أَنَّ الْمَسَاكِنَ مَمْلُوكَةٌ أَرْضًا وَبِنَاءً وَلَمْ تَزَلْ تُبَاعُ، وَتُوهَبُ وَتُوقَفُ، وَتَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
(وَيَصِحُّ بَيْعُ إمَام لَهَا) ؛ أَيْ: الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً (لِمَصْلَحَةٍ) رَآهَا؛ كَاحْتِيَاجِهَا لِلْعِمَارَةِ، وَلَا يَعْمُرُهَا إلَّا مَنْ يَشْتَرِيهَا؛ كَصِحَّةِ (وَقْفِهِ) لَهَا، (وَإِقْطَاعِهِ) إيَّاهَا (تَمْلِيكًا) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِهِ.
وَحُكْمُهُ بِذَلِكَ يَصِحُّ كَبَقِيَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، هَذَا مَعْنَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي " الْمُغْنِي " صِحَّةَ الْبَيْعِ مِنْهُ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى صِحَّةَ بَيْعِهِ، أَوْ وَقْفِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ حَاكِمٍ بِمَا يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ.
وَفِي صِحَّةِ الْوَقْفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إمَّا مَوْقُوفَةٌ؛ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا ثَانِيًا، أَوْ فَيْءٌ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَالْوَقْفُ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوَقْفَ هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْإِرْصَادِ وَالْإِفْرَازِ لِشَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى بَعْضِ مُسْتَحِقِّيهِ، لِيَصِلُوا إلَيْهِ بِسُهُولَةٍ.
(أَوْ) ؛ أَيْ: وَيَصِحُّ بَيْعُهَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ (غَيْرَ إمَامٍ، وَحَكَمَ بِهِ) ؛ أَيْ: الْبَيْعِ (مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ فَنَفَذَ كَسَائِرِ مَا فِيهِ اخْتِلَافٌ.
(وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا) ؛ أَيْ: الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ مِمَّا فُتِحَ عَنْوَةً، مُدَّةً مَعْلُومَةً، بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إقْرَارِهَا بِأَيْدِيهِمْ، وَضَرَبَ عُمَرُ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا، وَجَعَلَهُ أُجْرَةً لَهَا.
وَالْمُسْتَأْجِرُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ
(وَلَا) يَصِحُّ (بَيْعُ) رِبَاعِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ، (وَلَا إجَارَةُ رِبَاعِ) بِكَسْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute