وَإِسْقَاطَ مَا فَرَضَ اللَّهُ، وَتَعْطِيلَ مَا شَرَعَ اللَّهُ، كَانَ سَاعِيًا فِي دِينِ اللَّهِ بِإِفْسَادٍ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: إبْطَالُ مَا فِي الْأَمْرِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مِنْ حِكْمَةِ الشَّارِعِ، وَنَقْضِ حِكْمَتِهِ، فِيهِ وَمُنَاقَضَةٍ لَهُ. وَالثَّانِي أَنَّ الْأَمْرَ الْمُحْتَالَ بِهِ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ حَقِيقَةٌ، وَلَا هُوَ مَقْصُودَهُ، بَلْ الْمَقْصُودُ لَهُ هُوَ الْمُحَرَّمُ نَفْسُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ كُلَّ الظُّهُورِ، فَإِنَّ الْمُرَابِيَ مَثَلًا مَقْصُودُهُ الرِّبَا الْمُحَرَّمُ، وَصُورَةُ الْبَيْعِ الْجَائِزِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُتَحَيِّلُ عَلَى إسْقَاطِ الزَّكَاةِ بِتَمْلِيكِ مَالِهِ لِمَنْ لَا يَهَبُهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا حَقِيقَةً، مَقْصُودُهُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ، وَظَاهِرُ الْهِبَةِ الْمَشْرُوعَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ لَهُ. الثَّالِثُ: نِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى الشَّارِعِ الْحَكِيمِ، وَإِلَى شَرِيعَتِهِ الَّتِي هِيَ غِذَاءُ الْقُلُوبِ وَدَوَاؤُهَا وَشِفَاؤُهَا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَحَيَّلَ عَلَى قَلْبِ الدَّوَاءِ أَوْ الْغِذَاءِ إلَى ضِدِّهِ، فَجَعَلَ الْغِذَاءَ دَوَاءً، وَالدَّوَاءَ غِذَاءً، إمَّا بِتَغَيُّرِ اسْمِهِ أَوْ صُورَتِهِ مَعَ حَقِيقَتِهِ، لَأَهْلَكَ النَّاسَ، فَمَنْ عَمَدَ إلَى الْأَدْوِيَةِ الْمُسَهِّلَةِ، فَغَيَّرَ صُورَتَهَا أَوْ أَسْمَاءَهَا، وَجَعَلَهَا غِذَاءً لِلنَّاسِ، أَوْ عَمَدَ إلَى السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ، فَغَيَّرَ صُورَتَهَا أَوْ أَسْمَاءَهَا، وَجَعَلَهَا أَدْوِيَةً، أَوْ إلَى الْأَغْذِيَةِ فَغَيَّرَ أَسْمَاءَهَا وَصُوَرَهَا، كَانَ سَاعِيًا بِالْفَسَادِ بِالطَّبِيعَةِ، كَمَا أَنَّ هَذَا سَاعٍ بِالْفَسَادِ فِي الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ لِلْقُلُوبِ بِمَنْزِلَةِ الْغِذَاءِ وَالدَّوَاءِ لَلْأَبَدَانِ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ جِدًّا
(وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ) دَنَانِيرَ مَثَلًا (وَزْنًا، فَوَفَّاهَا) ، أَيْ: الْعَشَرَةَ (عَدَدًا، فَوُجِدَتْ) الْعَشَرَةُ (وَزْنًا أَحَدَ عَشَرَ) دِينَارًا، فَالدِّينَارُ (الزَّائِدُ مَشَاعٌ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) لِمَالِكِهِ الْمُقْبِضِ (لِأَنَّهُ) ، أَيْ: الْقَابِضَ (قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ) عَلَى أَنَّهُ عِوَضُ مَالِهِ، فَكَانَ مَضْمُونًا بِهَذَا الْقَبْضِ، (وَلِمَالِكِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ) بِصَرْفٍ وَغَيْرِهِ، مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ وَغَيْرِهِ، لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ. وَإِنْ صَارَفَ بِوَدِيعَةٍ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَ آخَرَ دِينَارٌ وَدِيعَةً، فَصَارَفَ رَبُّ الدِّينَارِ الْوَدِيعَ، صَحَّ - وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute