للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَ) لَوْ صَارَفَ (خَمْسَةَ دَرَاهِمَ) فِضَّةً (بِنِصْفِ دِينَارٍ فَأَعْطَى) صَارِفَ الْفِضَّةِ (دِينَارًا، صَحَّ) الصَّرْفُ، لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِالْمَجْلِسِ، (وَلَهُ) ، أَيْ: قَابِضِ الدِّينَارِ (مُصَارَفَتُهُ بَعْدَ) ذَلِكَ (بِالْبَاقِي) مِنْ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ. (وَلَوْ اقْتَرَضَ) صَارِفُ الْخَمْسَةِ دَرَاهِمَ (الْخَمْسَةَ) الَّتِي دَفَعَهَا لِصَاحِبِ الدِّينَارِ، (وَصَارَفَهُ بِهَا عَنْ) النِّصْفِ (الْبَاقِي) [مِنْ الدِّينَارِ، (صَحَّ بِلَا حِيلَةٍ) ، لِوُجُودِ التَّقَابُضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حِيلَةٌ] ، لَمْ يَصِحَّ (وَهِيَ) ، أَيْ: الْحِيلَةُ (التَّوَسُّلُ إلَى مُحَرَّمٍ بِمَا ظَاهِرُهُ الْإِبَاحَةُ، وَالْحِيَلُ كُلُّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ) أُمُورِ (الدِّينِ) ، لِحَدِيثِ: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ - وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ - فَهُوَ قِمَارٌ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْن فَرَسَيْنِ - وَلَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَسْبِقَ - فَلَيْسَ بِقِمَارٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. فَجَعَلَهُ قِمَارًا مَعَ إدْخَالِ الْفَرَسِ الثَّالِثِ، لِكَوْنِهِ لَا يَمْنَعُ مَعْنَى الْقِمَارَ، وَهُوَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ آخِذًا أَوْ مَأْخُوذًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا دَخَلَ تَحَيُّلًا عَلَى إبَاحَةِ الْمُحَرَّمِ. وَسَائِرُ الْحِيَلِ مِثْلُ ذَلِكَ.

(كَأَنْ يُظْهِرَا) ، أَيْ: الْمُتَعَاقِدَانِ (عَقْدًا) ظَاهِرُهُ الْإِبَاحَةُ، (يُرِيدَانِ بِهِ مُحَرَّمًا مُخَادَعَةً) وَتَوَسُّلًا إلَى فِعْلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ الرِّبَا وَنَحْوِهِ، أَوْ إسْقَاطِ وَاجِبٍ لَهُ - تَعَالَى - أَوْ دَفْعِ حَقٍّ، (فَيَحْرُمُ قَرْضُهُ شَيْئًا لِيَبِيعَهُ) ، أَيْ: الْمُقْرِضُ لِلْمُسْتَقْرِضِ (سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، أَوْ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلْعَةً بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا، تَوَسُّلًا لِجَرِّ النَّفْعِ) ، وَكَمَسْأَلَةِ الْعِينَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ مَعَ الْإِجَارَةِ الْآتِيَةِ.

(وَذَكَرَ) خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ (ابْنُ الْقَيِّمِ) فِي كِتَابِهِ " إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، (صُوَرًا كَثِيرَةً جِدًّا) . فَلْتُرَاجَعْ هُنَاكَ. فَمِمَّا ذُكِرَ فِيهِ قَوْلُهُ: فَصْلٌ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْحِيَلِ وَتَحْرِيمِهَا أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - إنَّمَا أَوْجَبَ الْوَاجِبَاتِ، وَحَرَّمَ الْمُحَرَّمَاتِ، لِمَا تَتَضَمَّنَ مِنْ مَصَالِحِ عِبَادِهِ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، فَالشَّرِيعَةُ لِقُلُوبِهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْغِذَاءِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَالدَّوَاءِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ الدَّاءُ إلَّا بِهِ، فَإِذَا احْتَالَ الْعَبْدُ عَلَى تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>