(وَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ إجْبَارُ مُفْلِسٍ مُحْتَرِفٍ) كَحَدَّادٍ وَنَجَّارٍ وَحَائِكٍ (عَلَى) الْكَسْبِ أَوْ (إيجَارِ نَفْسِهِ) ، وَإِنْ كَانَ لَهُ صَنَائِعُ أُجْبِرَ عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ (فِيمَا يَلِيقُ بِهِ) ؛ لِيُوَفِّيَ (بَقِيَّةَ دَيْنِهِ) بَعْدَ قِسْمَةِ مَا وُجِدَ مِنْ مَالِهِ؛ لِحَدِيثِ «سُرَّقٍ، وَكَانَ سُرَّقٌ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَذَكَرَ أَنَّ وَرَاءَهُ مَالًا، فَدَايَنَهُ النَّاسُ، وَرَكِبَتْهُ دُيُونٌ، وَلَمْ يَكُنْ وَرَاءَهُ مَالٌ فَسَمَّاهُ سُرَّقًا، وَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْحُرُّ لَا يُبَاعُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ تُبَاعُ مُنَاصَفَةً؛ إذْ الْمَنَافِعُ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَتَحْرِيمِ أَخْذِ الزَّكَاةِ، وَثُبُوتِ الْغِنَى بِهَا، فَكَذَا فِي وَفَاءِ الدَّيْنِ بِهَا، وَالْإِجَارَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَأُجْبِرَ عَلَيْهَا لِبَيْعِ مَالِهِ؛ وَكَإِجَارَةِ (وَقْفٍ وَأُمِّ وَلَدٍ يُسْتَغْنَى عَنْهُمَا) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ، فَلَزِمَهُ؛ كَمَالِكِ مَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ مِنْهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَغْنِيَاءِ فِي حِرْمَانِ الزَّكَاةِ، وَسُقُوطِ نَفَقَتِهِ عَنْ قَرِيبِهِ، وَوُجُوبِ نَفَقَةِ قَرِيبِهِ، وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» . قَضِيَّةُ عَيْنٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ لِذَلِكَ الْمَدِينِ حِرْفَةٌ يَكْتَسِبُ بِهَا مَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَدَعْوَى نَسْخِ حَدِيثِ سُرَّقٍ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ بَيْعَ الْحُرِّ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِنَا، وَحَمْلُ لَفْظِ بَيْعِهِ عَلَى بَيْعِ مَنَافِعِهِ أَسْهَلُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى بَيْعِ رَقَبَتِهِ الْمُحَرَّمِ، وَحَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ شَائِعٌ كَثِيرٌ، وَقَوْلُ مُشْتَرِيهِ: أَعْتَقْتُهُ؛ أَيْ: مِنْ حَقِّي عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: فَأَعْتَقُوهُ؛ أَيْ: الْغُرَمَاءُ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا الدَّيْنَ عَلَيْهِ، (مَعَ بَقَاءِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ) ؛ أَيْ: الْمُفْلِسِ الْمُؤَجِّرِ لِنَفْسِهِ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ لِقَضَاءِ بَقِيَّةِ الدَّيْنِ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِفَكِّ حَجْرِهِ.
و (لَا) تُجْبَرُ (امْرَأَةٌ) مُفْلِسَةٌ (عَلَى نِكَاحٍ) - وَلَوْ رَغِبَ فِيهَا - بِمَا تُوَفِّي بِهِ دَيْنَهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ مَا قَدْ تَعْجِزُ عَنْهُ.
(وَلَا) يُجْبَرُ (مَنْ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ كَفَّارَةٌ) بِالْعِتْقِ لَوْ احْتَرَفَ أَوْ أَجَرَ نَفْسَهُ، عَلَى أَنْ يَحْصُلَ عَلَى حِرْفَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute