لَهُنَّ مِنْ الْمَاءِ وَالْأَرْضِ أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ الْأَوْسُقَ، فَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْأَرْضَ وَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْوَسْقَ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتْ الْأَرْضَ ".
وَالْمَعْنَى دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْأَرْضِ قَدْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى زَرْعِهَا وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا، وَالْأَكْثَرُ يَحْتَاجُونَ إلَى الزَّرْعِ وَالْأَرْضِ لَهُمْ، فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ جَوَازُ الْمُزَارَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، بَلْ الْحَاجَةُ هُنَا آكَدُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الزَّرْعِ آكَدُ مِنْهَا إلَى غَيْرِهِ؛ لِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا، وَلِكَوْنِ الْأَرْضِ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْمَالِ.
(وَلَا تَصِحُّ مُسَاقَاةٌ) عَلَى (مَا) - أَيْ: شَجَرٍ - (لَا ثَمَرَ لَهُ يُؤْكَلُ كَصَفْصَافٍ وَقَرَظٍ) - وَهُوَ وَرَقُ السَّلَمِ يُدْبَغُ بِهِ - وَدُلْبٍ وَحَوَرٍ وَسَرْوٍ - (وَلَوْ) كَانَ لَهُ خَشَبٌ يُقْصَدُ أَوْ - (كَانَ لَهُ وَرَقٌ أَوْ زَهْرٌ يُقْصَدُ كَتُوتٍ وَوَرْدٍ) وَنَرْجِسِ وَيَاسَمِينٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) وَالشَّارِحِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا يُقْصَدُ وَرَقُهُ أَوْ زَهْرُهُ إجْرَاءً لِلْوَرَقِ وَالزَّهْرِ مَجْرَى الثَّمَرَةِ.
(وَلَا) تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ مِنْ (نَحْوِ قُطْنٍ) يُؤْخَذُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَا عَلَى الْمَقَاثِي مِنْ نَحْوِ بِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ (وَبَاذِنْجَانٍ) وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَجَرٍ. وَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
(وَلَا) يَصِحُّ (كَوْنُ غَرْسٍ لِوَاحِدٍ وَالْأَرْضِ لِآخَرَ) ؛ لِاشْتِرَاكِ كَوْنِهِمَا مِنْ وَاحِدٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، (فَإِنْ وَقَعَ) الْغَرْسُ مِنْ الْعَامِلِ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ، وَ (خُيِّرَ رَبُّهَا) - أَيْ: الْأَرْضِ -، (بَيْنَ قَلْعِهِ) - أَيْ: تَكْلِيفِ رَبِّ الْغِرَاسِ قَلْعَهُ - (وَضَمَانِ نَقْصِهِ) لَهُ (أَوْ تَمَلُّكِهِ) بِقِيمَتِهِ لِغَارِسِهِ، إلَّا أَنْ يَخْتَارَ رَبُّهُ أَخْذَهُ، فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَلَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ بَذَلَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ الْقِيمَةَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَمْ يَمْنَعْ تَحْوِيلَهُ، (أَوْ تَرْكَهُ بِأُجْرَتِهِ) بِاتِّفَاقِهِمَا.
(وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ مُسَاقَاةٍ وَمُنَاصَبَةٍ وَمُزَارَعَةٍ (كَوْنُ عَاقِدِ كُلٍّ) مِنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute