أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (مُدَّةً مَعْلُومَةً) ؛ كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ (مِنْ عَيْنٍ) مَعْلُومَةٍ (مُعَيَّنَةٍ) ؛ كَآجَرْتُكِ هَذَا الْبَعِيرَ (أَوْ) مِنْ عَيْنٍ (مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ) ؛ كَآجَرْتُكِ بَعِيرًا صِفَتُهُ كَذَا، وَيَسْتَقْصِي صِفَتَهُ. وَأَشَارَ إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (أَوْ) عَلَى (عَمَلٍ مَعْلُومٍ) ؛ كَحَمْلِهِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا (لَا يَخْتَصُّ فِعْلُهُ بِمُسْلِمٍ) ؛ أَيْ: بِأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، بِخِلَافِ مَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْكَافِرِ لِفِعْلِهِ؛ كَنِيَابَةِ الْحَجِّ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ) رَاجِعٌ لِلضَّرْبَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ، خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرُّوذِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ هِيَ الَّتِي تُسْتَوْفَى وَالْأَجْرُ فِي مُقَابَلَتِهَا، وَلِذَا تُضْمَنُ دُونَ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَى الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مَحِلُّ الْمَنْفَعَةِ وَمُنْشَؤُهَا؛ كَمَا يُضَافُ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْبُسْتَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الثَّمَرَةُ، وَالِانْتِفَاعُ تَابِعٌ ضَرُورَةً إذْ الْمَنْفَعَةُ لَا تُوجَدُ عَادَةً إلَّا عَقِبَهُ. (وَالِانْتِفَاعُ) مِنْ قِبَلِ مُسْتَأْجِرٍ (تَابِعٌ) لِلْمَنْفَعَةِ الَّتِي وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا.
(وَيُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْمُدَّةِ) فِي أَحَدِ ضَرْبَيْ الْإِجَارَةِ (صُورَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي الصُّلْحِ) ، وَهِيَ مَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَجْرِي عَلَى أَرْضِهِ أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ؛ لِلْحَاجَةِ؛ كَالنِّكَاحِ.
(وَ) يُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْمُدَّةِ أَيْضًا (مَا فَعَلَهُ) الْإِمَامُ (عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا فَتَحَ) مِنْ الْأَرْضِ عَنْوَةً، (وَلَمْ يُقَسِّمْ) بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَأَرْضِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَإِنَّهُ وَقَفَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَقَرَّهَا فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا بِالْخَرَاجِ الَّذِي ضَرَبَهُ أُجْرَةً لَهَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ يُقَدِّرْ مَدَّتْهَا؛ لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا.
(وَيَتَّجِهُ عَلَى الصَّحِيحِ عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ فِعْلِ عُمَرَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ (لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إجَارَةً لَلَزِمَ الرُّجُوعُ فِي الْخَرَاجِ لِمَا قَدَّرَهُ عُمَرُ) . أَقُولُ: فِي هَذَا الِاتِّجَاهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute