للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(مَعَ الِانْفِرَادِ) - أَيْ: انْفِرَادِ الْمُسْتَعِيرِ - (بِحِفْظٍ) لِلْعَيْنِ الْمُعَارَةِ؛ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكُهَا مَعَهَا، أَمَّا إذَا كَانَ مَالِكُهَا مَعَهَا كَمَا لَوْ أَرْكَبَ دَابَّتَهُ لِإِنْسَانٍ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ فَالْحِفْظُ عَلَى الْمَالِكِ دُونَ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِعَدَمِ انْفِرَادِهِ بِحِفْظِهَا، فَلَوْ تَلِفَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ؛ لِتَلَفِهَا تَحْتَ يَدِ مَالِكِهَا (وَالْإِعَارَةُ: إبَاحَةُ نَفْعِهَا) - أَيْ: الْعَيْنِ - أَيْ: رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ (لَا هِبَتَهُ) ؛ إذْ الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ يَسْتَفِيدُ بِهِ التَّصَرُّفَ فِي الشَّيْءِ؛ كَمَا يَسْتَفِيدُهُ فِيهِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ (بِلَا عِوَضٍ) ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] .

رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: الْعَوَارِيُّ، وَفَسَّرَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: الْقِدْرُ وَالْمِيزَانُ وَالْوَلَدُ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» [قَالَ] التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْهُ دِرْعًا يَوْمَ حُنَيْنٌ، فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْعَارِيَّة وَاسْتِحْبَابِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ هِبَةُ الْأَعْيَانِ جَازَتْ هِبَةُ الْمَنَافِعِ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ جَمِيعًا.

(وَتُسْتَحَبُّ) الْإِعَارَةُ؛ لِكَوْنِهَا مِنْ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ وَلَا تَجِبُ؛ لِحَدِيثِ: «إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ» رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ وَلِحَدِيثِ: «لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ» .

وَفِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: الزَّكَاةُ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ»

وَالْآيَةُ فَسَّرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ بِالزَّكَاةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>