الْإِعَارَةَ إنَّمَا تُبِيحُ لَهُ مَا أَبَاحَهُ الشَّارِعُ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَعِيرَ إنَاءً مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ لِيَشْرَبَ فِيهِ، وَلَا حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى رَجُلٍ لِيَلْبَسَهُ، وَلَا أَمَةً لِيَطَأَهَا، حَيْثُ صَحَّتْ الِاسْتِعَارَةُ مِنْ أَجْلِهِ، (وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) - أَيْ: النَّفْعِ الْمُبَاحِ - (كَإِعَارَةِ كَلْبٍ لِصَيْدٍ) أَوْ مَاشِيَةٍ (وَفَحْلٍ لِضِرَابٍ) ؛ لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ مُبَاحٌ، وَلَا مَحْظُورَ فِي إعَارَتِهِمَا، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الْعِوَضُ الْمَأْخُوذُ فِي ذَلِكَ؛ وَلِذَلِكَ امْتَنَعَتْ إجَارَتُهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ فِي حَقِّ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إطْرَاقَ فَحْلِهَا.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَهِيَ) - أَيْ: الْإِعَارَةُ (أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْجَعَالَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ نَوْعٌ مِنْ الْإِجَارَةِ، فَتَصِحُّ إعَارَةُ الْكَلْبِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي جَعَالَةٍ، (وَبَابُ الْجَعَالَةِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ تَصِحُّ عَلَى الْعِبَادَةِ كَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ.
(وَتَجِبُ إعَارَةُ مُصْحَفٍ لِمُحْتَاجٍ لِقِرَاءَةٍ) فِيهِ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ.
نَقَلَهُ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ الْكَبِيرِ " وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكُهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ وُجُوبَ الْإِعَارَةِ أَيْضًا فِي كُتُبٍ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهَا مِنْ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَأَهْلِ الْفَتَاوَى.
(وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) تَجِبُ إعَارَةُ (كُلِّ) شَيْءٍ (مُضْطَرٍّ إلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) ؛ إذْ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَعْصُومِ وَاجِبٌ، وَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُهُ إلَّا بِالْإِعَارَةِ؛ فَالْإِعَارَةُ وَاجِبَةٌ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ بِلَفْظِ: وَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ؛ وَجَبَ بَذْلُهُ مَجَّانًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَعَدَمِ حَاجَةِ رَبِّهِ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: يَنْبَغِي لِمَنْ مَلَكَ كِتَابًا أَنْ لَا يَبْخَلَ بِإِعَارَتِهِ لِمَنْ هُوَ أَهْلُهُ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إفَادَةُ الطَّالِبِ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الْأَشْيَاخِ وَتَفْهِيمِ الْمُشْكِلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute