للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، (فَإِنْ أَخَّرَ) الْمُسْتَعِيرُ الرَّدَّ فِيمَا ذَكَرَ فَتَلِفَتْ الْعَارِيَّةُ؛ (ضَمِنَ) قِيمَتَهَا (مَعَ أُجْرَةِ مِثْلِهَا) لِمُدَّةِ تَأْخِيرِهِ، (وَعَلَيْهِ) - أَيْ: الْمُسْتَعِيرِ (مُؤْنَةُ رَدِّ) الْعَارِيَّةِ إلَى مَالِكِهَا. كَمَغْصُوبٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» .

وَإِذَا كَانَتْ وَاجِبَةَ الرَّدِّ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ؛ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ (أَخْذٍ) .

وَ (لَا) يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ (مُؤْنَتُهَا) - أَيْ: الْعَارِيَّة - مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ مَا دَامَتْ [ (عِنْدَهُ) ، بَلْ ذَلِكَ عَلَى مَالِكِهَا؛ كَالْمُسْتَأْجَرَةِ، وَيَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ رَدُّهَا]- أَيْ: الْعَارِيَّةِ - إلَى مَالِكِهَا أَوْ وَكِيلِهِ (لِمَوْضِعِ أَخْذِهَا) مِنْهُ؛ كَالْمَغْصُوبِ، (إلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى) رَدِّهَا إلَى (غَيْرِهِ) ، وَيَبْرَأُ بِذَلِكَ مِنْ ضَمَانِهَا.

قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَحْمِلَ الْعَارِيَّةَ لِلْمُعِيرِ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِ الَّذِي اسْتَعَارَهَا فِيهِ، (فَلَوْ طَالَبَ) الْمُسْتَعِيرَ (بِمِصْرَ بِدَابَّةٍ) كَانَ (أَخَذَهَا بِدِمَشْقَ، فَإِنْ كَانَتْ) الدَّابَّةُ (مَعَهُ لَزِمَهُ دَفْعُهَا) إلَى رَبِّهَا لِعَدَمِ الْعُذْرِ [وَإِلَّا] تَكُنْ مَعَهُ بِمِصْرَ (فَلَا) يَلْزَمُهُ حَمْلُهَا إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ إنَّمَا اقْتَضَى الرَّدَّ مِنْ حَيْثُ أَخَذَ، وَإِعَادَةَ الشَّيْءِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَجِبُ مَا زَادَ.

تَنْبِيهٌ: وَإِنْ اسْتَعَارَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَكَلْبٍ مُبَاحِ الِاقْتِنَاءِ، أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ مَدْبُوغٍ، أَوْ أَخَذَ حُرًّا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ أَبْعَدَهُ عَنْ بَيْتِ أَهْلِهِ؛ لَزِمَهُ الرَّدُّ وَمُؤْنَتُهُ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَلَوْ مَاتَ الْحُرُّ لَمْ يَضْمَنْهُ.

(وَيَبْرَأُ) مُسْتَعِيرٌ (بِرَدِّ عَارِيَّةِ إلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ) - أَيْ: بِجَرَيَانِ الرَّدِّ (عَلَى يَدِهِ كَسَائِسٍ) رَدَّ إلَيْهِ الدَّابَّةَ، (وَخَازِنٍ وَزَوْجَةٍ) مُتَصَرِّفِينَ فِي مَالِهِ، (وَوَكِيلٍ عَامٍّ فِي قَبْضِ حُقُوقِهِ) .

قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ "؛ فَلَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا إلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ.

هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْوَدِيعَةِ: إذَا سَلَّمَهَا إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>