وَنَقَلَ حَرْبٌ فِي خَبَرِ عُرْوَةَ إنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَهُ لَهُ، وَحَيْثُ تَعَيَّنَ جَعْلُ الرِّبْحِ لِلْغَاصِبِ أَوْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَجَعْلُهُ لِلْمَالِكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ نَفْعِ مَالِهِ الَّذِي فَاتَهُ بِمَنْعِهِ.
(وَلَوْ) كَانَ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ (فِي ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهِ) الثَّمَنَ مِنْ الْمَغْصُوبِ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ؛ (ثُمَّ نَقَدَهُ) مِنْهُ؛ فَيَكُونُ الرِّبْحُ (لِمَالِكِ) الْمَغْصُوبِ أَيْضًا، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْإِقْبَاضُ فَاسِدٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبْرِئٍ، وَصِحَّةُ الْعَقْدِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، وَمَعَ ذَلِكَ الرِّبْحُ لِلْمَالِكِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: ادْفَعْ إلَيْهِ دَرَاهِمَهُ بِنِتَاجِهَا، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ عَيْنٍ وَلَا ذِمَّةٍ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَسْتَلْزِمُ سَلَامَةَ الْعَقْدِ لِلْمَالِكِ، وَقَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ " " وَالْوَجِيزِ " " وَالْمُنَوِّرِ ": إذَا اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِنِيَّةِ نَقْدِهَا؛ فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ، وَفِي " الْمُبْدِعِ " تَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ صَحِيحَةٌ (حَيْثُ تَعَذَّرَ رَدُّ مَغْصُوبٍ لَهُ) - أَيْ: الْمَالِكِ - (وَ) رَدُّ (ثَمَنٍ لِمُشْتَرٍ) كَأَنْ جُهِلَ دَفْعٌ لَهُ، أَوْ تَلِفَ هُوَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَيْنُ الْغَصْبِ بَاقِيَةً، وَأَمْكَنَ رَدُّهَا؛ فَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعِ وُجُوبِ رَدِّهَا وَتَوَابِعِهَا، وَيَأْخُذُ الْمُعْتَاضُ مَا دَفَعَ إلَى الْغَاصِبِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيَسْتَرِدُّ مُشْتَرٍ وَمُسْتَأْجِرٌ لَمْ يُقِرَّا بِالْمِلْكِ مَا دَفَعَاهُ مِنْ الْمُسَمَّى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ.
(وَلَوْ قُلْنَا بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ) فِيمَا أَدْرَكَهُ الْمَالِكُ بَاقِيًا، وَأَمَّا مَا لَمْ يُدْرِكْهُ فَوَجْهُ تَصْحِيحِهِ أَنَّ الْغَاصِبَ تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَتَكْثُرُ تَصَرُّفَاتُهُ فَفِي الْقَضَاءِ بِبُطْلَانِهَا ضَرَرٌ كَثِيرٌ، وَرُبَّمَا عَادَ إلَى الضَّرَرِ عَلَى الْمَالِكِ إذْ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا يَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ لِلْمَالِكِ وَالْعِوَضِ بِنَمَائِهِ وَزِيَادَتِهِ، وَالْحُكْمُ بِبُطْلَانِهَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَأَمَّا شِرَاءُ الْغَاصِبِ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ نَقْدِهِ مِنْهُ وَرَبِحَ؛ فَالرِّبْحُ لِلْغَاصِبِ، خِلَافًا لِمَا فِي " الْإِقْنَاعِ "، وَالْقَبْضُ غَيْرُ مُبْرِئٍ لِفَسَادِهِ، وَإِنْ دَفَعَ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ إلَى مَنْ يُضَارِبُ بِهِ؛ فَالْحُكْمُ بِالرِّبْحِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute