(وَمَنْ بِيَدِهِ نَحْوُ غُصُوبٍ) لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ أَوْ عَرَفَ رَبَّهَا، وَشَقَّ دَفْعُهُ إلَيْهِ وَهُوَ يَسِيرٌ كَحَبَّةٍ، أَوْ كَانَ بِيَدِهِ (رُهُونٌ) لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا، وَنَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ: أَوْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ رَبَّ الْمَالِ، لَكِنَّهُ أَيِسَ مِنْهُ (أَوْ) بِيَدِهِ (أَمَانَاتٌ) مِنْ وَدَائِعَ وَغَيْرِهَا (لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا) أَوْ لِحِرَفِهِمْ وَفُقِدُوا وَلَيْسَ لَهُمْ وَرَثَةٌ، (فَسَلَّمَهَا) - أَيْ: الْغُصُوبَ أَوْ الرُّهُونَ أَوْ الْأَمَانَاتِ الَّتِي لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا - (إلَى حَاكِمٍ، وَيَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْحَاكِمَ - (قَبُولُهَا؛ بَرِئَ) بِتَسْلِيمِهَا لِلْحَاكِمِ (مِنْ عُهْدَتِهَا) بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ لَهَا قَائِمٌ مَقَامَ قَبْضِ أَرْبَابِهَا لَهَا؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ.
(وَلَهُ) - أَيْ: مَنْ بِيَدِهِ الْغُصُوبُ وَنَحْوُهَا إنْ لَمْ يَدْفَعْهَا لِلْحَاكِمِ - (الصَّدَقَةُ بِهَا مِنْهُمْ) - أَيْ: عَنْ أَرْبَابِهَا بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ - لِأَنَّ الْمَالَ يُرَادُ لِمَصْلَحَةِ الْمَعَاشِ أَوْ الْمَعَادِ، وَمَصْلَحَةُ الْمَعَادِ أَوْلَى الْمَصْلَحَتَيْنِ، وَقَدْ تَعَيَّنَتْ هَا هُنَا؛ لِتَعَذُّرِ الْأُخْرَى. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: يُعْجِبُنِي الصَّدَقَةُ بِهَا.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا كَانَ بِيَدِ الْإِنْسَانِ غُصُوبٌ أَوْ عَوَارِي أَوْ وَدَائِعُ أَوْ رُهُونٌ قَدْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَصْحَابِهَا؛ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُمْ، فَإِنَّ حَبْسَ الْمَالِ دَائِمًا لِمَنْ لَا يُرْجَى لَا فَائِدَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ تَعْرِيضٌ لِهَلَاكِ الْمَالِ وَاسْتِيلَاءِ الظُّلْمَةِ عَلَيْهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَدْ اشْتَرَى جَارِيَةً، فَدَخَلَ بَيْتَهُ لِيَأْتِيَ بِالثَّمَنِ فَخَرَجَ فَلَمْ يَجِدْ الْبَائِعَ فَجَعَلَ يَطُوفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَيَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَنْ رَبِّ الْجَارِيَةِ.
وَكَذَلِكَ أَفْتَى بَعْضُ التَّابِعِينَ، مَنْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَتَابَ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ، وَرَضِيَ بِهَذِهِ الْفُتْيَا أَصْحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ كَمُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَجْهُولَ فِي الشَّرِيعَةِ كَالْمَعْدُومِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute