وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرُوِيَ «عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدَائِعُ فَلَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ أَوْدَعَهَا عِنْدَ أُمِّ أَيْمَنَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا» .
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَأَجْمَعَ كُلُّ عَصْرٍ عَلَى جَوَازِ الْإِيدَاعِ وَالِاسْتِيدَاعِ، وَالْعِبْرَةُ تَقْتَضِيهَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَى جَمِيعِهِمْ حِفْظُ أَمْوَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيَحْتَاجُونَ إلَى مَنْ يَحْفَظُهَا لَهُمْ. ثُمَّ الْوَدِيعَةُ شَرْعًا (الْمَالُ) أَوْ الْمُخْتَصُّ كَكَلْبِ الصَّيْدِ (الْمَدْفُوعِ) مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (إلَى مَنْ) ؛ أَيْ: إنْسَانٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (يَحْفَظُهُ) ، فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمَالِ أَوْ الْمُخْتَصِّ الْكَلْبُ الَّذِي لَا يُقْتَنَى وَالْخَمْرُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا لَا يُحْتَرَمُ، وَبِقَيْدِ الْمَدْفُوعِ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارٍ مِنْ نَحْوِ ثَوْبٍ وَمَا أَخَذَهُ بِالتَّعَدِّي، وَبِقَيْدِ الْحِفْظِ الْعَارِيَّةُ وَنَحْوُهَا. (وَيَتَّجِهُ) حِفْظُ الْمَالِ الْمُودَعِ (وَلَوْ بِعِوَضٍ) يُؤْخَذُ عَلَى حِفْظِهِ، وَعَلَيْهِ يَدْخُلُ الْأَجِيرُ لِحِفْظِ الْمَالِ، (خِلَافًا " لِلْمُنْتَهَى ") فَإِنَّهُ قَالَ: الْوَدِيعَةُ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ بِلَا عِوَضٍ.
وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ " نَقْلًا عَنْ " الْفَائِقِ ": الْوَدِيعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَوَكُّلٍ لِحِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ، وَنُقِلَ عَنْ " الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى " إنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِحِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ هَذَا الِاتِّجَاهَ وَلَا مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ. (وَالْإِيدَاعُ التَّوْكِيلُ) مِنْ رَبِّ الْمَالِ (فِي حِفْظِهِ) حَالَ كَوْنِ الْحِفْظِ (تَبَرُّعًا) مِنْ الْحَافِظِ، (وَالِاسْتِيدَاعُ التَّوَكُّلُ) مِنْ إنْسَانٍ (فِي حِفْظِهِ) أَيْ: حِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ - (كَذَلِكَ) - أَيْ: تَبَرُّعًا - (بِغَيْرِ تَصَرُّفٍ) فِي الْمَالِ الْمَحْفُوظِ؛ لِعَدَمِ الْإِذْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute