للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ مَلَكَ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَطَبَقَاتِهَا، وَهَذَا مِنْهَا، فَتَبِعَهَا فِي الْمِلْكِ، وَيُفَارَقُ الْكَنْزُ الْإِسْلَامِيُّ فَإِنَّهُ لَا يُمْلَكُ مَا فِيهَا مِنْ كَنْزٍ عَلَيْهَا فِيهِ عَلَامَةُ ضَرْبِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ عَنْهَا، وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْمُحْيِي الْمَعَادِنَ الَّتِي أَحْيَاهَا إذَا حَفَرَهَا وَأَظْهَرَهَا.

قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَ " الْمُبْدِعِ ": وَلَوْ تَحَجَّرَ الْأَرْضَ وَأَقْطَعَهَا، فَظَهَرَ فِيهَا الْمَعْدِنُ قَبْلَ إحْيَائِهَا كَانَ لَهُ إحْيَاؤُهَا، وَيَمْلِكُهَا بِمَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِتَحَجُّرِهِ وَإِقْطَاعِهِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ إتْمَامِ حَقِّهِ [وَ (لَا) يَمْلِكُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَا فِيهَا مِنْ مَعْدِنٍ (جَارٍ كَمَا يَأْتِي) قَرِيبًا.

(وَلَا) يَمْلِكُ إنْسَانٌ] مَا أَحْيَاهُ مِنْ (مَعْدِنٍ مُطْلَقًا) ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا (بِإِحْيَائِهِ) لَهُ (مُفْرَدًا) عَنْ غَيْرِهِ، أَمَّا الظَّاهِرُ وَهُوَ الَّذِي يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُؤْنَةٍ يَنْتَابُهُ النَّاسُ وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ كَمَقْطَعِ الطِّينِ وَالْمِلْحِ وَالْكُحْلِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْقَارِ وَالْمُومْيَا وَالنَّفْطِ وَالْبِرَامِ وَالْيَاقُوتِ؛ فَبِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ وَتَضْيِيقًا عَلَيْهِمْ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ أَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ مَعْدِنَ الْمِلْحِ، فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْعَدِّ؛ رَدَّهُ» .

قَالَ أَحْمَدُ: وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِمْ عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ «أَنَّهُ اسْتَقْطَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِلْحَ الَّذِي بِمَأْرَبٍ فَلَمَّا وَلَّى قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَدْرِي مَا أَقْطَعْت لَهُ؟ إنَّمَا أَقْطَعْته الْمَاءَ الْعَدَّ فَرَجَعَهُ مِنْهُ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُحْمَى مِنْ الْأَرَاكِ؟ قَالَ: مَا لَمْ تَنَلْهُ أَخْفَافُ الْإِبِلِ» ، وَلِأَنَّ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةُ؛ فَلَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ وَلَا إقْطَاعُهُ؛ كَمَشَارِعِ الْمَاءِ وَطُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا مِنْ مَوَادِّ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَفَيْضِ جُودِهِ الَّذِي لَا غِنَى عَنْهُ، فَلَوْ مَلَكَهُ أَحَدٌ بِالِاحْتِجَارِ مَلَكَ مَنْعَهُ، فَضَاقَ عَلَى النَّاسِ، وَإِنْ أَخَذَ الْعِوَضَ عَنْهُ أَغْلَاهُ، فَخَرَجَ عَنْ الْوَضْعِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ تَعْمِيمِ ذَوِي الْحَوَائِجِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ.

قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، وَأَمَّا الْبَاطِنُ وَهُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ فِي إخْرَاجِهِ إلَى حَفْرٍ وَمُؤْنَةٍ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ؛ فَلَا يَمْلِك بِإِحْيَائِهِ مُفْرَدًا؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ الَّذِي يُمْلَكُ بِهِ هُوَ الْعِمَارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>