لَا تَصْلُحُ لِغَرْسٍ؛ لِكَثْرَةِ أَحْجَارِهَا، فَيُنَقِّيهَا وَيَغْرِسُهَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ كَبِنَاءِ الْحَائِطِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَمْلِكُهَا بِغَرْسٍ وَإِجْرَاءِ مَاءٍ نَصًّا.
تَتِمَّةٌ: وَلَا يَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُجَرَّدِ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْغَرْسِ، وَلَا يَحْصُلُ بِخَنْدَقٍ يَجْعَلُهُ حَوْلَ الْأَرْضِ الَّتِي يُرِيدُ إحْيَاءَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَائِطٍ وَلَا عِمَارَةٍ، إنَّمَا هُوَ حَفْرٌ وَتَخْرِيبٌ، وَلَا يَحْصُلُ بِشَوْكٍ وَشِبْهِهِ يُحَوِّطُهَا بِهِ، وَيَكُونُ تَحَجُّرًا؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَنْزِلُ مَنْزِلًا وَيُحَوِّطُ عَلَى رَحْلِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": إنْ كَانَتْ كَثِيرَةَ الدَّغَلِ وَالْحَشِيشِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ إلَّا بِتَكْرَارِ حَرْثِهَا وَتَنْقِيَةِ دَغَلِهَا وَحَشِيشِهَا الْمَانِعِ مِنْ زَرْعِهَا كَانَ إحْيَاءً، (وَبِحَفْرِ بِئْرٍ) فِي الْمَوَاتِ (يَمْلِكُ) الْحَافِرُ (حَرِيمَهَا وَهُوَ) - أَيْ: حَرِيمُ الْبِئْرِ - (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِي بِئْرٍ قَدِيمَةٍ) ، وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْعَادِيَّةَ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ - نِسْبَةً إلَى عَادٍ، وَلَمْ يُرِدْ عَادٌ بِعَيْنِهَا، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَادٌ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ لَهَا آثَارٌ فِي الْأَرْضِ نُسِبَ إلَيْهَا كُلُّ قَدِيمٍ.
نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: الْبِئْرُ الْعَادِيَّةُ الْقَدِيمَةُ؛ أَيْ: هِيَ الَّتِي انْطَمَّتْ وَذَهَبَ مَاؤُهَا، فَمَنْ جَدَّدَ حَفْرَهَا وَعِمَارَتَهَا، أَوْ اسْتَخْرَجَ مَاءَهَا الْمُنْقَطِعَ مَلَكَهَا، وَمَلَكَ حَرِيمَهَا، وَهُوَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (خَمْسُونَ ذِرَاعًا. وَ) الْحَرِيمُ (فِي) بِئْرِ (غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ الْقَدِيمَةِ - (خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ) ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ نَصًّا؛ لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «السُّنَّةُ فِي حَرِيمِ الْقَلِيبِ الْعَادِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَالْبَدِيِّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ» . وَرَوَى الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا.
وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْبِئْرَ الَّتِي لَهَا مَاءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ لَيْسَ لِأَحَدٍ احْتِجَارُهُ كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ.
تَنْبِيهٌ: وَمَنْ كَانَتْ لَهُ بِئْرٌ فِيهَا مَاءٌ، فَحَفَرَ آخَرُ قَرِيبًا مِنْهَا بِئْرًا يَتَسَرَّقُ إلَيْهَا مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَفِرُ الثَّانِيَةِ فِي مِلْكِهِ كَرَجُلَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ فِي دَارٍ حَفَرَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِهِ بِئْرًا أَعْمَقَ مِنْهَا، فَيَسْرِي إلَيْهَا مَاءُ الْأُولَى، أَوْ كَانَتَا فِي مَوَاتٍ فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا، فَحَفَرَ بِئْرًا قَرِيبًا مِنْهَا تَجْتَذِبُ مَاءَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute