لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ مِلْكَهُ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ قَبْلَهُ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ مَا يُحْدِثُهُ الْجَارُ مِمَّا يَضُرُّ بِجَارِهِ كَأَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ مَدْبَغَةً أَوْ حَمَّامًا تَضُرُّ بِجِدَارِ عَقَارِ جَارِهِ بِحَمِي نَارِهِ وَرَمَادِهِ أَوْ دُخَانِهِ، أَوْ يَحْفِرُ فِي أَصْلِ حَائِطِهِ بِحَيْثُ يَتَأَذَّى جَارُهُ بِرَائِحَةٍ وَغَيْرِهَا، أَوْ يَجْعَلُ دَارِهِ مَخْبِزًا فِي وَسَطِ الْعَطَّارِينَ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤْذِي جَارَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» . وَلِأَنَّهُ أَحْدَثَ ضَرَرًا بِجَارِهِ؛ كَدَقٍّ يَهُزُّ الْحِيطَانَ وَنَحْوَهَا، وَكَإِلْقَاءِ السَّمَادِ وَالتُّرَابِ فِي أَصْلِ حَائِطِهِ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهِ.
وَلَوْ كَانَ لِشَخْصٍ مَصْنَعٌ فَأَرَادَ جَارُهُ غَرْسَ شَجَرَةٍ مِمَّا تَسْرِي عُرُوقُهُ، فَتَشُقُّ حَائِطَ مَصْنَعٍ لِجَارِهِ، وَيُتْلِفُهُ؛ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ، وَكَانَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ وَقَلْعُهَا إنْ غَرَسَهَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ الضَّرَرُ سَابِقًا مِثْلَ مَنْ لَهُ فِي مِلْكِهِ مَدْبَغَةٌ أَوْ مُقْصَرَةٌ فَأَحْيَا إنْسَانٌ إلَى جَانِبِهِ مَوَاتًا وَبَنَاهُ دَارًا تَضَرَّرَ بِذَلِكَ؛ لَمْ يَلْزَمْ إزَالَتُهُ الضَّرَرَ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ " بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ ضَرَرًا. .
(وَحَرِيمُ عَيْنٍ وَقَنَاةٍ) احْتَفَرَهَا إنْسَانٌ فِي مَوَاتٍ (خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ) . نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ. قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ حَرِيمِ الْقَنَاةِ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَحَرِيمِ الْعَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْفُرُوعِ " وَ " التَّنْقِيحِ " قَالَ فِي شَرْحِ " الْإِقْنَاعِ ": قُلْت: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِذَرْعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.
(وَ) حَرِيمُ (نَهْرٍ مِنْ جَانِبَيْهِ مَا يَحْتَاجُ) النَّهْرُ (إلَيْهِ لِطَرْحِ كَرَايَتِهِ) - أَيْ: مَا يُلْقَى مِنْهُ طَلَبًا لِسُرْعَةِ جَرْيِهِ - (وَطَرِيقِ قِيمَةٍ) - أَيْ: شَاوِيهِ - وَمَا يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهُ بِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَثُرَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ " وَإِنْ كَانَ بِجَنْبِهِ مُسْنَاةٌ لِغَيْرِهِ ارْتَفَقَ بِهَا فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً، وَلَهُ عَمَلُ أَحْجَارِ طَحْنٍ عَلَى النَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَوْضِعِ غَرْسٍ وَزَرْعٍ وَنَحْوِهِمَا انْتَهَى. وَالْمُسْنَاةُ هِيَ السَّدُّ الَّذِي يُرَادُ الْمَاءُ مِنْ جَانِبِهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَالْقِيَمُ وَالشَّاوِي لَمْ أَجِدْ لَهُمَا أَصْلًا فِي اللُّغَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَعَلَّهُمَا مُوَلَّدَتَانِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الشَّامِ.
(وَ) حَرِيمُ (شَجَرَةٍ) غُرِسَتْ فِي مَوَاتٍ (قَدْرَ مَدِّ أَغْصَانِهَا) حَوَالَيْهَا؛ لِمَا رَوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute