بِحَسَبِ أَمْلَاكِهِمْ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَدْنَى إلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ اشْتَرَكَ الْكُلُّ إلَى أَنْ يَصِلُوا إلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَشْتَرِكُ الْبَاقُونَ حَتَّى يَصِلُوا إلَى الثَّانِي، ثُمَّ يَشْتَرِكُ مِنْ بَعْدِهِ كَذَلِكَ، كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَلُ إلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا يَنْتَفِعُ بِالْمَاءِ الَّذِي فِي مَوْضِعِ شُرْبِهِ، وَمَا بَعْدَهُ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ دُونِهِ؛ فَلَا يُشَارِكُهُمْ فِي مُؤْنَتِهِ، كَمَا لَا يُشَارِكُهُمْ فِي نَفْعِهِ، فَإِنْ كَانَ يَفْضُلُ عَنْ جَمِيعِهِمْ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى مَصْرِفٍ؛ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى جَمِيعِهِمْ؛ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ كَأَوَّلِهِ.
(وَلِمَالِكِ أَرْضٍ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا) - أَيْ: بِأَرْضِهِ - (وَلَوْ كَانَتْ رُسُومُهَا) - أَيْ: الْقَنَاةِ الْمُحَيَّاةِ - (فِي أَرْضِهِ) - أَيْ أَرْضِ الْمَانِعِ، فَلَا يَدْخُلُ الْمُحْيِي فِي الْقَنَاةِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا ذَكَرُوهُ فِي الصُّلْحِ مِنْ أَنَّ مَنْ وَجَدَ رُسُومَ خَشَبَةٍ أَوْ مَسِيلَ مَاءٍ وَنَحْوَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، يُقْضَى لَهُ بِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّا هُنَا عَلِمْنَا عَدَمَ سَبْقِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمُحْيِيَ إنَّمَا مَلَكَ مَاءَهُ بِالْإِحْيَاءِ، فَوُجُودِ الرُّسُومِ لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الْجَارِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ مِلْكُهُ ثَابِتٌ.
(وَلَا يَمْلِكُ) رَبُّ أَرْضٍ (تَضْيِيقَ مَجْرَى قَنَاةٍ فِي أَرْضِهِ مِنْ خَوْفِ لِصٍّ) نَصًّا؛ لِأَنَّ مَجْرَاهَا لِصَاحِبِهَا، فَلَا يَتَصَرَّفُ غَيْرُهُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ بِتَقْلِيلِ الْمَاءِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ.
(وَمَنْ سُدَّ لَهُ مَاءٌ لِجَاهِهِ) لِيَسْقِيَ بِهِ أَرْضَهُ؛ (فَلِغَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الْمُتَجَوَّهِ - مِمَّنْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ فِي أَصْلِ الْمَاءِ إلَّا بِالْحَاجَةِ؛ (السَّقْيُ مِنْهُ) - أَيْ: مِنْ الْمَاءِ الْمَسْدُودِ لِلْمُتَجَوَّهِ - (مَا لَمْ يَكُنْ تَرَكَهُ) - أَيْ: هَذَا الْغَيْرُ - السَّقْيَ مِنْ الْمَاءِ الْمَسْدُودِ سَبَبًا؛ لَأَنْ (يَرُدَّهُ) ؛ أَيْ: يَرُدُّ الْمُتَجَوَّهُ الْمَاءَ الَّذِي سَدَّهُ (عَلَى مَنْ سَدَّهُ عَنْهُ) ، فَيَمْتَنِعَ عَلَيْهِ السَّقْيُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي ظُلْمِ مَنْ سَدَّ عَنْهُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute