للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَصِحُّ الْجُعْلُ عَلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ، وَعَلَى مَجْهُولٍ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهَا مَجْهُولًا؛ وَالْمُدَّةُ مَجْهُولَةً؛ كَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجَائِرَةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، فَلَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَلْزَمَهُ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى كَوْنِ الْعَمَلِ مَجْهُولًا، وَكَذَلِكَ الْمُدَّةُ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ مَوْضِعَ الضَّالَّةِ وَالْآبِقِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى جَهَالَةِ الْعِوَضِ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَصِيرُ لَازِمًا؛ فَلَمْ يُشْتَرَطْ كَوْنُهُ مَعْلُومًا، وَالْعِوَضُ يَصِيرُ لَازِمًا بِإِتْمَامِ الْعَمَلِ، فَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ انْتَهَى.

وَلَوْ جَعَلَهُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ (كَ) أَنْ يَقُولَ: (مَنْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ) فَلَهُ كَذَا، أَوْ مَنْ رَدَّ عَبْدِي الْآبِقَ، أَوْ إنْ (أَقْرَضَنِي زَيْدٌ بِجَاهِهِ أَلْفًا) فَلَهُ كَذَا؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ فِي مُقَابَلَةِ مَا بَذَلَهُ مِنْ جَاهِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ لَهُ بِالْقَرْضِ، (أَوْ أَذِنَ بِهَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ فَعَلَهُ مِنْ مَدِينِي) - أَيْ: مِمَّنْ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ - (فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ كَذَا) ؛ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَ كَوْنِهِ تَعْلِيقًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، لَا تَعْلِيقًا مَحْضًا.

(فَمَنْ بَلَغَهُ) الْجُعْلُ (قَبْلَ فِعْلِهِ) الْعَمَلَ الْمَجْعُولَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعِوَضُ؛ (اسْتَحَقَّهُ) - أَيْ: الْجُعْلَ (بِهِ) أَيْ: الْعَمَلِ بَعْدُ -؛ لِاسْتِقْرَارِهِ بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَالرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ، فَإِنْ تَلِفَ فَلَهُ مِثْلُ مِثْلَيْ، وَقِيمَةُ غَيْرِهِ، وَلَا يَحْبِسُ الْعَامِلُ الْعَيْنَ حَتَّى يَأْخُذَهُ (وَ) مَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ (فِي أَثْنَائِهِ) - أَيْ: الْعَمَلِ - فَلَهُ مِنْ الْجُعْلِ (حِصَّةُ تَمَامِهِ) ؛ أَيْ: فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْجُعْلِ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَمَلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ الْجُعْلَ وَقَعَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَنْهُ عِوَضًا؛ لِبَذْلِهِ مَنَافِعَهُ مُتَبَرِّعًا بِهَا، وَمَحِلُّ ذَلِكَ (إنْ أَتَمَّهُ) - أَيْ: الْعَمَلَ - (بِنِيَّةِ الْجُعْلِ، وَ) لِهَذَا لَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْجُعْلُ إلَّا (بَعْدَهُ) - أَيْ: بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ - (لَمْ يَسْتَحِقَّهُ) - أَيْ: الْجُعْلَ - وَلَا شَيْئًا مِنْهُ لِمَا سَبَقَ، (وَحَرُمَ) عَلَيْهِ (أَخْذُهُ) - أَيْ: الْجُعْلِ - لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، إلَّا إنْ تَبَرَّعَ لَهُ رَبُّهُ بِهِ بَعْدَ إعْلَامِهِ بِالْحَالِ.

(وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ) فِي الْمُنْتَظِمِ: يَجِبُ عَلَى الْوُلَاةِ إيصَالُ قَصَصِ أَهْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>