للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبَقَرَةُ؟ قَالُوا: بَقَرَةٌ لَحِقَتْ بِالْبَقَرِ، فَأَمَرَ بِهَا، فَطُرِدَتْ حَتَّى تَوَارَتْ: ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ: لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إلَّا الضَّالُّ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ - أَيْ: مُخْطِئٌ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِ الِالْتِقَاطِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ، فَكَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ جَوَازِ أَخْذِهِ كَغَيْرِ الضَّالَّةِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْأَخْذُ؛ لِحِفْظِ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَإِذَا كَانَ مَحْفُوظًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ، وَأَمَّا الْآبِقُ فَيَجُوزُ الْتِقَاطُهُ؛ صَوْنًا لَهُ عَنْ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَارْتِدَادِهِ وَسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ، وَتَقَدَّمَ.

وَهَذَا الْقِسْمُ (لَا يُمْلَكُ بِتَعْرِيفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ؛ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ وَعَدَمِ إذْنِ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ؛ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ زَمَنِ الْأَمْنِ وَالْفَسَادِ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ (لِإِمَامٍ وَنَائِبِهِ أَخَذُهُ؛ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ لَا) عَلَى أَنَّهُ (لُقَطَةٌ) ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي حِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ، وَفِي أَخْذِ هَذِهِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ مَصْلَحَةٌ لِمَالِكِهَا بِصِيَانَتِهَا، (وَلَا يَلْزَمُهُ) - أَيْ: الْإِمَامَ - أَوْ نَائِبَهُ (تَعْرِيفُهُ) مَا أَخَذَهُ؛ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ لِيُعَرِّفَ الضَّوَالَّ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ مِنْ الْإِمَامِ حِفْظُ الضَّوَالِّ؛ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ ضَالَّةٌ فَإِنَّهُ يَجِيءُ إلَى مَوْضِعِ الضَّوَالِّ، فَمَنْ عَرَفَ مَالَهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ.

(وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ) ؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، (بِوَصْفٍ) ؛ أَيْ: لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الضَّالَّةَ كَانَتْ ظَاهِرَةً لِلنَّاسِ، حِينَ كَانَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا دُونَ غَيْرِهَا؛ فَلَمْ يَكْفِ ذَلِكَ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ (بَيِّنَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا؛ لِظُهُورِهَا لِلنَّاسِ، وَمَعْرِفَةِ خُلَطَائِهِ وَجِيرَانِهِ بِمِلْكِهِ إيَّاهَا.

وَمَا يَحْصُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ الضَّوَالِّ؛ فَإِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَيْهَا، وَيَجْعَلُ عَلَيْهَا وَسْمًا بِأَنَّهَا ضَالَّةٌ؛ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ حِمًى تَرَكَهَا تَرْعَى فِيهَا، إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهَا، وَحِفْظِ ثَمَنِهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمًى؛ بَاعَهَا بَعْدَ أَنْ يُحَلِّيَهَا، وَيَحْفَظَ صِفَاتِهَا، وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْفَظُ لَهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُفْضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>