للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي غُلَامٍ أَصَابَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، فَذَهَبَ بِهَا إلَى مَنْزِلِهِ، فَضَاعَتْ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرَادَ رَدَّهَا، فَلَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا: تَصَدَّقْ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، وَكَانَ يَجْحَفُ بِهِ؛ تَصَدَّقَ قَلِيلًا قَلِيلًا.

قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَى هَذَا أَنَّهَا إنْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِ الصَّبِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُعْلِمْ وَلِيَّهُ حَتَّى يَقُومَ بِتَعْرِيفِهَا.

انْتَهَى، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا تَرَكَ التَّعْرِيفَ لِعُذْرٍ؛ كَانَ كَتَرْكِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ مِنْ أَهْلِ الْعُذْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِعُذْرٍ لَيْسَ مَانِعًا لِلتَّعْرِيفِ بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ الْعُذْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ.

(وَيَتَّجِهُ فِيهِ) - أَيْ: الصَّغِيرِ - أَنَّ تَرْكَهُ التَّعْرِيفَ لِعُذْرِ صِغَرٍ، كَتَرْكِ غَيْرِهِ التَّعْرِيفَ (لِعُذْرٍ أَوْ مَرَضٍ) أَوْ حَبْسٍ وَنَحْوِهِ مَنَعَهُ عَنْ التَّعْرِيفِ أَنَّهُ مَتَى زَالَ الْعُذْرُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا، بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ؛ لِعَدَمِ تَأْخِيرِ التَّعْرِيفِ عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا.

(وَالْقِنُّ) يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ؛ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ، وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الصَّغِيرُ، وَيَصِحُّ مِنْهُ، فَصَحَّ مِنْ الرَّقِيقِ.

وَلَهُ تَعْرِيفُهَا بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ، كَاحْتِطَابِهِ وَاحْتِشَاشِهِ وَاصْطِيَادِهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ حِسْبِيٌّ، فَلَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ، وَلَهُ إعْلَامُ سَيِّدِهِ الْعَدْلِ بِهَا، إنْ أَمِنَهُ عَلَيْهَا.

وَ (لِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا مِنْهُ) ؛ لِيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ، وَلِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُ كَسْبِهِ مِنْ يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقِنُّ قَدْ عَرَّفَهَا بَعْضَ الْحَوْلِ عَرَّفَهَا السَّيِّدُ تَمَامَهُ، (وَ) لِسَيِّدِهِ أَيْضًا (تَرْكُهَا مَعَهُ) - أَيْ: مَعَ الرَّقِيقِ الْمُلْتَقِطِ - (إنْ كَانَ) الرَّقِيقُ (عَدْلًا؛ لِيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا) ، وَيَكُونُ السَّيِّدُ مُسْتَعِينًا بِهِ فِي حِفْظِهَا، كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي حِفْظِ سَائِرِ مَالِهِ.

وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ أَمِينٍ كَانَ السَّيِّدُ مُفَرِّطًا بِإِقْرَارِهَا فِي يَدِهِ؛ فَيَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ؛ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ كَانَ لَهُ انْتِزَاعُ اللُّقَطَةِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>