تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ. كَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى قَوْلِ صَاحِبِ " الْإِنْصَافِ ": إنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ هُوَ الْمَذْهَبُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْهُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ: فَعَلَى الْأَوَّلِ - وَهُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ - يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، وَعَلَى الثَّانِي - وَهُوَ اشْتِرَاطُهَا - يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ.
ثُمَّ لَمَّا أَلَّفَ " التَّنْقِيحَ " جَزَمَ بِأَنَّ الْقَائِفَ كَحَاكِمٍ، فَإِذَنْ تُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ وَمُقْتَضَى أَنَّهُ كَحَاكِمٍ وَشَاهِدٍ اعْتِبَارُ الْإِسْلَامِ قَطْعًا (مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ) لِأَنَّهُ أَمْرٌ عِلْمِيٌّ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِعِلْمِهِ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ التَّجْرِبَةِ فِيهِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي كَيْفِيَّةِ التَّجْرِبَةِ: هُوَ أَنْ يُتْرَكَ اللَّقِيطُ مَعَ عَشَرَةٍ مِنْ الرِّجَالِ، غَيْرَ مَنْ يَدَّعِيهِ، وَيَرَى إيَّاهُمْ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ سَقَطَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَتَبَيَّنُ خَطَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَرَيْنَاهُ إيَّاهُ مَعَ عِشْرِينَ مِنْهُمْ مُدَّعِيهِ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ لَحِقَ.
وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِأَنْ يَرَى صَبِيًّا مَعْرُوفَ النَّسَبِ، مَعَ قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ، فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِقَرِيبِهِ عُلِمَتْ إصَابَتُهُ، وَإِنْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ سَقَطَ قَوْلُهُ.
وَهَذِهِ التَّجْرِبَةُ عِنْدَ عَرْضِهِ عَلَى الْقَائِفِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي مَعْرِفَةِ إصَابَتِهِ وَإِنْ لَمْ نُجَرِّبْهُ فِي الْحَالِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْإِصَابَةِ وَصِحَّةِ الْمَعْرِفَةِ فِي مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ؛ جَازَ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَقَدْ رُوِينَا أَنَّ رَجُلًا شَرِيفًا شَكَّ فِي وَلَدٍ لَهُ مِنْ جَارِيَتِهِ، وَأَبَى أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ، فَمَرَّ بِهِ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي الْمَكْتَبِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ اُدْعُ لِي أَبَاكَ، فَقَالَ الْمُعَلِّمُ: وَمَنْ أَبُو هَذَا؟ قَالَ: فُلَانٌ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّهُ أَبُوهُ؟ قَالَ: هُوَ أَشْبَهُ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ، فَقَامَ الْمُعَلِّمُ مَسْرُورًا إلَى أَبِيهِ، فَأَعْلَمَهُ بِقَوْلِ إيَاسٍ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَسَأَلَ إيَاسًا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا وَلَدِي؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَهَلْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ؟ إنَّهُ لَأَشْبَهُ مِنْكَ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ، فَسُرَّ الرَّجُلُ، وَاسْتَلْحَقَ وَلَدَهُ انْتَهَى.
(وَكَذَا) - أَيْ: كَاللَّقِيطِ (إنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً) بِلَا زَوْجٍ (بِشُبْهَةٍ) فِي طُهْرٍ، (أَوْ) وَطِئَا (أَمَتَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ زَوْجَةً) لِآخَرَ، (أَوْ سُرِّيَّةً لِآخَرَ) ، هِيَ فِرَاشٌ لِذَلِكَ الْآخَرِ، وَهُوَ أَنْ يَجِدَهَا الْوَاطِئُ عَلَى فِرَاشِهِ، فَيَظُنُّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute