للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْجِدُ طَلْقًا وَيُوقَفَ بَدَلُهُ أَصْلَحُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَةُ الْأَوَّلِ، أَحْرَى، فَإِنَّ بَيْعَ الْوَقْفِ الْمُسْتَغَلِّ أَوْلَى مِنْ بَيْعِ الْمَسْجِدِ، وَإِبْدَالَهُ أَوْلَى مِنْ إبْدَالِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ تُحْتَرَمُ عَيْنُهُ شَرْعًا، وَيُقْصَدُ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ؛ فَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَلَا الْمُعَاوَضَةُ عَنْ مَنْفَعَتِهِ، بِخِلَافِ وَقْفِ الِاسْتِغْلَالِ؛ فَإِنَّهُ تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَالْمُعَاوَضَةُ عَنْ نَفْعِهِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنْفَعَتَهُ بِنَفْسِهِ كَمَا يُقْصَدُ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ، وَلَا لَهُ حُرْمَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لِلْمَسْجِدِ، وَقَالَ: يَجِبُ بَيْعُ الْوَقْفِ مَعَ الْحَاجَةِ بِالْمِثْلِ، وَبِلَا حَاجَةٍ يَجُوزُ بِخَيْرٍ مِنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ لِفَوَاتِ التَّغْيِيرِ بِلَا حَاجَةٍ، وَذَكَرَهُ وَجْهًا فِي الْمُنَاقَلَةِ وَأَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ قُدَامَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُنَاقَلَةِ فِي الْأَوْقَافِ وَاقِعَةُ نَقْلِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، وَجَعْلِ بَيْتِ الْمَالِ فِي قِبْلَتِهِ، وَجَعْلِ مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ سُوقًا لِلتَّمَّارِينَ اشْتَهَرَتْ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ، وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُهَا، وَلَا الِاعْتِرَاضُ فِيهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، بَلْ عُمَرُ هُوَ الْخَلِيفَةُ الْآمِرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ هُوَ الْمَأْمُورُ النَّاقِلُ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى مَسَاغِ الْقِصَّةِ وَالْإِقْرَارِ عَلَيْهَا وَالرِّضَى بِمُوجَبِهَا، وَهَذِهِ حَقِيقَةُ الِاسْتِبْدَالِ وَالْمُنَاقَلَةِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَسَاغِ بَيْعِ الْوَقْفِ عِنْدَ تَعَطُّلِ نَفْعِهِ؛ فَهُوَ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِدْلَالِ عِنْدَ رُجْحَانِ الْمُبَادَلَةِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَطِّلًا، وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي نَقْلِهِ لِحِرَاسَةِ بَيْتِ الْمَالِ الَّذِي جُعِلَ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ الثَّانِي انْتَهَى.

وَصَنَّفَ صَاحِبُ " الْفَائِقِ " مُصَنَّفًا فِي جَوَازِ الْمُنَاقَلَةِ لِلْمَصْلَحَةِ سَمَّاهُ " الْمُنَاقَلَةُ بِالْأَوْقَافِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ وَالْخِلَافِ " قَالَ فِي " الْإِنْصَافِ ": وَأَجَادَ فِيهِ، وَوَافَقَهُ عَلَى جَوَازِهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ حَمْزَةُ ابْنُ شَيْخِ السَّلَامِيَّةِ، وَصَنَّفَ فِيهِ مُصَنَّفًا سَمَّاهُ: " دَفْعُ الْمُثَاقَلَةِ فِي بَيْعِ الْمُنَاقَلَةِ " وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَئِمَّتِنَا جَمَاعَةٌ فِي عَصْرِهِ.

(وَ) يَجُوزُ (نَقْلُ آلَةِ) مَسْجِدٍ (وَ) نَقْلُ (أَنْقَاضِ مَسْجِدٍ؛ جَازَ بَيْعُهُ) كَخَرَابِهِ أَوْ خَرَابِ مَحَلَّتِهِ أَوْ قَذَرِ مَحَلِّهِ (لِمَسْجِدٍ آخَرَ) إنْ (احْتَاجَهَا) مِثْلُهُ -[وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>