(وَنَحْوِ بَيْعٍ) كَإِجَارَةٍ، لِأَنَّهُمَا عَقْدَا مُعَاوَضَةٍ.
(وَلَا تَصِحُّ) الْهِبَةُ (هَزْلًا وَلَا تَلْجِئَةً) [بِأَنْ لَا تُرَادَ الْهِبَةُ بَاطِنًا] كَأَنْ تُوهَبَ فِي الظَّاهِرِ، وَتُقْبَضَ مَعَ اتِّفَاقِ الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنْهُ مَتَى شَاءَ، أَوْ تُوهَبَ لِخَوْفٍ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلَا تَصِحُّ، وَلِلْوَاهِبِ اسْتِرْجَاعُهَا إذَا زَالَ مَا يَخَافُ، أَوْ جُعِلَتْ الْهِبَةُ طَرِيقًا إلَى (مَنْعِ وَارِثٍ) حَقَّهُ أَوْ مَنْعِ (غَرِيمٍ حَقَّهُ) فَهِيَ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ (فَمَنْ قَصَدَ بِإِعْطَاءٍ) لِغَيْرِهِ (ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَقَطْ) فَعَطِيَّتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (صَدَقَةٌ وَ) إنْ قَصَدَ بِإِعْطَائِهِ (إكْرَامًا أَوْ تَوَدُّدًا أَوْ مُكَافَأَةً) ، فَعَطِيَّتُهُ (هَدِيَّةٌ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِإِعْطَائِهِ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَمَا أَعْطَى (هِبَةٌ وَعَطِيَّةٌ وَنِحْلَةٌ) ؛ أَيْ: يُسَمَّى بِذَلِكَ، فَالْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ مُتَّفِقَةٌ مَعْنًى وَحُكْمًا (وَيَعُمُّ جَمِيعَهَا لَفْظُ الْعَطِيَّةِ) لِشُمُولِهَا لَهَا (وَهِيَ) ؛ أَيْ: الْمَذْكُورَاتُ مِنْ صَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ وَهَدِيَّةٍ (مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ قَصَدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ) تَعَالَى، كَالْهِبَةِ (لِعَالِمٍ وَصَالِحٍ وَفَقِيرٍ، وَ) مَا قَصَدَ بِهِ (صِلَةَ الرَّحِمِ) بَلْ الصَّدَقَةُ عَلَى قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ " عِنْدَ مَيْمُونَةُ: «أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ أَعْطَيْتِهَا لِأَخْوَالِكَ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكَ» . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الصَّدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْهِبَةِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَجِنْسُ الْهِبَةِ مَنْدُوبٌ؛ لِشُمُولِهِ مَعْنَى التَّوْسِعَةِ عَلَى الْغَيْرِ، وَنَفْيِ الشُّحِّ. قَالَ: وَالْفَضْلُ فِيهَا يَثْبُتُ بِإِزَاءِ مَا قُصِدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا خَيْرَ فِيمَا قُصِدَ بِهِ رِيَاءٌ أَوْ سُمْعَةٌ انْتَهَى وَلَا تُسْتَحَبُّ إنْ قُصِدَ بِهَا مُبَاهَاةٌ أَوْ رِيَاءٌ أَوْ سُمْعَةٌ، بَلْ تُكْرَهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعْ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْهِبَةِ) لِمَا وَرَدَ، فِيهَا مِمَّا لَا يُحْصَرُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (مَعْنًى يَقْتَضِي تَفْضِيلَهَا) عَلَى الصَّدَقَةِ (كَالْإِهْدَاءِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحَبَّةً وَ) كَالْإِهْدَاءِ (لِقَرِيبٍ لِصِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ) الْإِهْدَاءِ (لِأَخٍ فِي اللَّهِ) فَهَذَا قَدْ يَكُونُ أَفْضَلُ، مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى غَيْرِهِ (وَالْهَدِيَّةُ تُذْهِبُ الْحِقْدَ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «تَهَادَوْا فَإِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute