(وَتَلْزَمُ) الْهِبَةُ (بِ) مُجَرَّدِ (قَبْضٍ) بِإِذْنِ وَاهِبٍ؛ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِعَائِشَةَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: يَا بُنَيَّةُ كُنْتُ نَحَلْتُكِ جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا، وَلَوْ كُنْتِ جَذَذْتِيهِ وَحُزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ "، وَقَالَ عُمَرُ: لَا نِحْلَةَ إلَّا نِحْلَةٌ يَحُوزُهَا الْوَلَدُ دُونَ الْوَلَدِ. وَكَالطَّعَامِ الْمَأْذُونِ فِي أَكْلِهِ، وَيَعْتَبِرُ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ مِنْ (رَشِيدٍ فِي غَيْرِنَا تَافِهٍ) أَيْ: قَلِيلٍ لَا يُعْبَأُ بِهِ كَرَغِيفٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا يُشْتَرَطُ رُشْدُ قَابِضِهِ (أَوْ) بِقَبْضِ (وَلِيِّ غَيْرِهِ) - أَيْ: غَيْرِ الرَّشِيدِ - كَالصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ قَبُولٌ لِمَا لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِيهِ حَظٌّ، فَكَانَ إلَى الْوَلِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَا يَصِحُّ الْقَبُولُ وَلَا الْقَبْضُ مِنْ غَيْرِ الْوَلِيِّ، وَهُوَ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ أَوْ أَمِينُهُ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِي صَبِيٍّ وُهِبَتْ لَهُ هِبَةٌ، أَوْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ، فَقَبَضَتْ الْأُمُّ ذَلِكَ وَأَبُوهُ حَاضِرٌ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ لِلْأُمِّ قَبْضًا " وَلَا يَكُونُ إلَّا لِلْأَبِ، وَإِنْ عَدِمَ الْوَلِيُّ فَيَقْبِضُ لِغَيْرِ الرَّشِيدِ مَنْ يَلِيهِ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَيَأْتِي. قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": فَإِنَّ الصَّبِيَّ قَدْ يَكُونُ فِي مَكَان لَا حَاكِمَ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ، وَيَكُونُ فَقِيرًا لَا غِنَى بِهِ عَنْ الصَّدَقَاتِ، فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُ غَيْرِهِمْ لَهُ، انْسَدَّ بَابُ وُصُولِهَا إلَيْهِ، فَيَضِيعُ وَيَهْلِكُ، وَمُرَاعَاةُ حِفْظِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْوِلَايَةِ (كَ) مَا تَلْزَمُ الْهِبَةُ (بِمُجَرَّدِ عَقْدٍ فِيمَا بِيَدِ مُتَّهِبٍ) كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ، وَلَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهِ.
صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي " وَ " الشَّرْحِ " لِأَنَّ قَبْضَهُ مُسْتَدَامٌ، فَأَغْنَى عَنْ الِابْتِدَاءِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ سِلْعَةً، وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعُ مِنْ شَرِيكِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، مَنْقُولًا كَانَ كَجُزْءٍ مِنْ نَحْوِ فَرَسٍ أَوْ غَيْرِهِ كَجُزْءٍ مِنْ عَقَارٍ، سَوَاءٌ كَانَ يَنْقَسِمُ أَوْ لَا كَالْعَبْدِ، لِمَا فِي " الصَّحِيحِ «أَنَّ وَفْدَ هَوَازِنَ لَمَّا جَاءُوا يَطْلُبُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَا غَنِمَ مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ» .
(وَيَعْتَبِرُ لِصِحَّةِ قَبْضِ مُشَاعٍ يُنْقَلُ) أَيْ: لِجَوَازِهِ أَوْ لِانْتِقَاءِ ضَمَانِ حِصَّةِ الشَّرِيكِ. ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (إذْنُ شَرِيكٍ) فِيهِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute