كَلَا يَلْبِسُ الثَّوْبَ الْمَوْهُوبَ؛ فَلَا يَصِحُّ الشَّرْطُ؛ إذْ مُقْتَضَى الْمِلْكِ التَّصَرُّفُ الْمُطْلَقُ، فَالْحَجْرُ فِيهِ مُنَافٍ لِمُقْتَضَاهُ (وَتَصِحُّ هِيَ) أَيْ: الْهِبَةُ الْمَشْرُوطُ فِيهَا مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْسَرَ.
(وَلَا) تَصِحُّ الْهِبَةُ (مُؤَقَّتَةً) كَوَهَبْتُك شَهْرًا أَوْ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِانْتِهَاءِ الْهِبَةِ؛ فَلَا تَصِحُّ مَعَهُ كَالْبَيِّعِ (إلَّا فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى) فَيَصِحَّانِ وَهُمَا (نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ) يَفْتَقِرَانِ إلَى مَا تَفْتَقِرُ إلَيْهِ سَائِرُ الْهِبَّاتِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ، وَيَصِحُّ تَوَقِّيَتُهُمَا، سُمِّيَتْ عُمْرَى؛ لِتَقَيُّدِهَا بِالْعُمْرِ، وَسُمِّيَتْ رُقْبَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ: أَعْمَرْتُهُ وَعَمَّرْته مُشَدَّدًا إذَا جُعِلَتْ لَهُ الدَّارُ مُدَّةَ عُمْرِهِ أَوْ عُمْرِي، وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ ذَلِكَ (كَ) قَوْلِهِ: (أَعْمَرْتُكَ أَوْ أَرْقَبْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ) هَذِهِ (الْفَرَسَ أَوْ) هَذِهِ (الْأَمَةَ) .
قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: أَرْقَبْتُك أَعْطَيْتُك، وَهِيَ هِبَةٌ تَرْجِعُ إلَى الْمُرْقِبِ إنْ مَاتَ الْمُرْقَبُ، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ (وَنَصَّهُ) أَيْ: الْإِمَامُ (لَا يَطَأُ) الْمَوْهُوبُ لَهُ الْجَارِيَةَ الْمُعْمِرَةَ.
نَقَلَ يَعْقُوبُ وَابْنُ هَانِئٍ: مَنْ يُعَمِّرُ الْجَارِيَةَ هَلْ يَطَؤُهَا؟ قَالَ: لَا أَرَاهُ (وَحَمَلَ) الْقَاضِي النَّصَّ الْمَذْكُورَ (عَلَى الْوَرَعِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ اسْتِبَاحَةٌ.
فَرْعٌ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الْعُمْرَى، وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، فَلَمْ يَرَ الْإِمَامُ وَطْأَهَا؛ لِهَذَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ؛ أَيْ: مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي بَعِيدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعُمْرَى قَاصِرٌ.
(وَ) إنْ قَالَ: (جَعَلْتُهَا) أَيْ: الدَّارَ أَوْ الْفَرَسَ أَوْ الْجَارِيَةَ (لَك عُمْرَك أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (حَيَاتَكَ أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (عُمْرَى أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (رُقْبَى أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (مَا بَقِيت) أَوْ مَا حَيِيت أَوْ مَا عِشْت (أَوْ أَعْطَيْتُكهَا عُمْرَك وَنَحْوَهُ) كَمَا بَقِيت أَوْ حَيَاتَكَ أَوْ عُمْرَى أَوْ رُقْبَى (فَتَصِحُّ) الْهِبَةُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ أَمْثِلَةُ الْعُمْرَى (وَتَكُونُ) الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ (لِمُعْطَى وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ إنْ كَانُوا، كَتَصْرِيحِهِ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْمِرُ: هِيَ لَك وَلِعَقِبِك مِنْ بَعْدِك (وَإِلَّا) يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute