لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَارِثٌ فَهِيَ (لِبَيْتِ الْمَالِ) نَصًّا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُخَلَّفَةِ عَنْهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا تُفْسِدُوهَا؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا» .
وَفِي الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ عَنْ جَابِرٍ: «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» . وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا» ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُعْمِرُوا وَلَا تَرْقُبُوا، فَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا» .
وَعَقِبِهِ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْلَامِ لَهُمْ بِنُفُوذِهَا بِدَلِيلِ السِّيَاقِ، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ أُرِيدُ بِهِ حَقِيقَةُ النَّهْيِ لَمْ يَمْنَعْ الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِيهَا عَلَى فَاعِلِهَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْهُ لَا يَقْتَضِي فَسَادُهُ كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَإِنْ أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى عُمْرِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، بِأَنْ قَالَ: وَهَبْتُك الدَّارَ وَنَحْوَهَا عُمْرَ زَيْدٍ؛ لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ، وَلَيْسَتْ مِنْ الْعُمْرَى وَلَا الرُّقْبَى.
(وَإِنْ شَرَطَ) وَاهِبٌ عَلَى مَوْهُوبٍ لَهُ (رُجُوعَهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (فِي لَفْظِ إرْقَابٍ وَنَحْوِهِ) كَإِعْمَارٍ (لِغَيْرِهِ) عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْهُوبِ قَبْلَهُ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُك هَذِهِ الدَّارَ، وَهِيَ لَك عُمْرَك عَلَى أَنَّك إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ أَوْ إلَى فُلَانٍ، وَإِنْ مِتَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ عَلَيْك؛ فَهِيَ الرُّقْبَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ (أَوْ) شَرَطَ وَاهِبٌ [رُجُوعَهَا (لَهُ) بِنَفْسِهِ (عِنْدَ مَوْتِهِ) أَيْ: فُلَانٍ (أَوْ) عِنْدَ (مَوْتِ مُتَّهِبٍ قَبْلَهُ) ] ؛ أَيْ: قَبْلَ وَاهِبٍ (أَوْ شَرَطَ) وَاهِبٌ (رُجُوعَهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ (إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْوَاهِبِ (أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ) شَرَطَ وَاهِبٌ رُجُوعَهَا إلَى (آخَرِهِمَا مَوْتًا؛ لُغِيَ الشَّرْطُ، وَصَحَّتْ) الْهِبَةُ (لِمُعْمَرٍ) اسْمُ مَفْعُولٍ (وَ) بَعْدَهُ (لِوَرَثَتِهِ) فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ: كَالْمَذْكُورِ أَوَّلًا مِنْ صُوَرِ الْعُمْرَى، وَلَا تُرْجَعُ الْعَيْنُ إلَى وَاهِبٍ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَرْقُبُوا وَلَا تُعْمِرُوا؛ فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا، أَوْ أَعْمَرَهُ؛ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالسَّنَدُ صَحِيحٌ بِلَا إشْكَالٍ. وَأَخْرَجُهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَرَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute