الطَّائِفَةِ الْمَقْهُورَةِ) لِأَنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ هُنَا كَتَوَقُّعِ الْمَرِيضِ أَوْ أَكْثَرَ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ (لَا) إنْ كَانَ الْمُعْطِي مِنْ الطَّائِفَةِ (الْقَاهِرَةِ) بَعْدَ ظُهُورِهَا، أَوْ كَانَ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاطٍ لِلْحَرْبِ، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا رَمْيُ سِهَامٍ أَوْ لَا، فَلَيْسَ حَالُهُ بِمَنْزِلَةِ مَرَضٍ مَخُوفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّعُ التَّلَفَ قَرِيبًا.
(وَمَنْ) كَانَ (بِلُجَّةِ) الْبَحْرِ (عِنْدَ الْهَيَجَانِ) أَيْ: ثَوَرَانِ الْبَحْرِ - بِهُبُوبِ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ هَذِهِ الْحَالَةَ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} [يونس: ٢٢] : (أَوْ وَقَعَ طَاعُونٌ) . قَالَ أَبُو السَّعَادَاتِ: هُوَ الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ فَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَةَ وَالْأَبْدَانَ. وَقَالَ عِيَاضٌ: هُوَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْمَغَابِنِ وَغَيْرِهَا لَا يَلْبَثُ صَاحِبُهَا، وَتَعُمُّ إذَا ظَهَرَتْ، وَفِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ ": وَأَمَّا الطَّاعُونُ فَوَبَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ، وَيُسَوِّدُ مَا حَوْلَهُ، وَيَخْضَرُّ وَيَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً، وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانٌ لِلْقَلْبِ (بِبَلَدِهِ) أَيْ: الْمُعْطِي - قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَخُوفٌ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كَوْنِ الطَّاعُونِ وَخْزَ أَعْدَائِنَا الْجِنِّ حِكْمَةً بَالِغَةً، فَإِنَّ أَعْدَاءَنَا شَيَاطِينُهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ مِنْهُمْ؛ فَهُمْ إخْوَانُنَا، وَاَللَّهُ أَمَرَنَا بِمُعَادَاةِ أَعْدَائِنَا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَأَنْ نُحَارِبَهُمْ طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ، فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلَّا مُسَالَمَتَهُمْ وَمُوَالَاتَهُمْ، فَسَلَّطَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ حَيْثُ اسْتَجَابُوا لَهُمْ حَتَّى أَغْوَوْهُمْ وَأَمَرُوهُمْ بِالْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَأَطَاعُوهُمْ، فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ أَنْ سَلَّطَهُمْ عَلَيْهِمْ بِالطَّعْنِ فِيهِمْ كَمَا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَعْدَاءَهُمْ مِنْ الْإِنْسِ حَيْثُ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، وَنَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، فَهَذِهِ مَلْحَمَةٌ مِنْ الْإِنْسِ، وَالطَّاعُونُ مَلْحَمَةٌ مِنْ الْجِنِّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِتَسْلِيطِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ عُقُوبَةً لِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، وَشَهَادَةً وَرَحْمَةً لِمَنْ هُوَ أَهْلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute